بيار أبي صعب
“بعضهم يظن أن الشعر عندما يتحرر من البحور والأوزان يكون سهلاً. هكذا بدأت تتراكم آلاف النصوص التي تدّعي الشعر، وما هي إلا كلام جرائد”. ما يكتبه عماد فؤاد، في موقعه على الانترنت (http://egyptianpoetry.jeeran.com)، عن ركام الكلام الذي يرزح تحته المشهد الشعري الجديد، يتجاوز الواقع المصري لينطبق على العالم العربي، مغرباً ومشرقاً.
كنا نقوم بجولة في “ميدان غوغل” - حسب التسمية التي أطلقها هيثم الورداني على محرّك البحث في مقالة شهيرة نشرتها مجلّة “أمكنة” التي يصدرها علاء خالد من الإسكندريّة - حين وقعنا مصادفة على كلام عماد فؤاد. كانت جولة البحث تتعلّق بقصيدة النثر، وإذا بنا من حيث لا ندري في ضيافة هذا الشاعر المصري الشاب الذي تتميز تجربته بقدر من الخصوصية والرهافة والابتكار.
لجأ عماد إلى الشبكة العالمية بحثاً عن فضاء يتسع لتجربته وحريته وكلماته. مثل أليسار الهاربة الى قرطاج من بطش أخيها، أقام مملكته الشعرية بعيداً عن أشكال الضغط والرقابة والحصار التي تمارسها الثقافة السائدة وأباطرتها على كل ابداع جديد! هل اشتقت الى قصائد رنا التونسي؟ ستلتقي بها هنا على الأرجح تقدم زهرة يسري («نصف وعي»، دار ميريت). هل تريد أن تكتشف عماد أبو صالح، صاحب «كلب ينبح ليقتل الوقت»؟ هناك ملف كامل يشتمل على نصوصه الشعرية، وعلى مقالات بتوقيع صبري حافظ وعبلة الرويني وبلال خبيز وصافي ناظ كاظم و... إدوار الخراط (تجده حيث تنسم «الكتابة الأخرى»!). وهناك أصدقاء آخرون في الجوار، اسكندر حبش أو طه عدنان أو مرام المصري... آه، كدنا ننسى بيسوا وبورخيس وريتسوس وبرنار نويل ونيرودا وعزرا باوند. فجأة يصادفك عقل العويط وقاسم حداد، وديع سعادة وأمجد ناصر. لحظة دعوني أبحث عن سوزان عليوان في «بيت النص الشعري الجديد»، لا بد أنّها مختبئة هنا في مكان ما! تكاد تتساءل في لحظة سكر، ما الحاجة بعد اليوم الى «الهيئة المصرية العامة للكتاب»؟... ما دام كل ما تشتهي، هنا، في متناول «اصبعك»... ومن دون رقيب ولا بيروقراطية ولا من يحزنون!
بنى عماد فؤاد، على أنقاض كلام الجرائد، احدى تلك الممالك الخفية التي تتسع لقصيدة النثر، وتشبه ورثة أنسي الحاج ومحمد الماغوط وعباس بيضون أكثر من سواهم. وأنت دخلتها على حين غفلة، بفعل زلة قدم. كما في قصص الأطفال حين تنزلق البطلة الصغيرة، فتجد نفسها في مملكة خرافية... وتدلف الى القصر المسحور، تتوه بين الغرف والدهاليز والمرايا. كم يصعب بعد تلك الرحلة أن تعود الى الواقع!