عبد الغني طليس
لولا الخشية من كلام الناس لما توانى بعض الفنّانين عن الذهاب إلى أقرب مركز إغاثة أو مركز لإحصاء الأضرار الناجمة عن الحرب الأخيرة، وسجّلوا أسماءهم على قائمة المنكوبين... لم تدمّر بيوتهم أو تفلس مؤسّساتهم، بل تعطّلت مشاريعهم التي تمنّوا تنفيذها في الصيف وعطّلتها الحرب. لذا، يجدون أنه من الضروري التعويض عليهم عمّا كان يمكن أن يكسبوه لا عمّا خسروه، وعن «الأشياء» التي تكتسب أهميتها من كونها... لهم!
قلة هم الفنّانون الذين «استحوا» في هذه الحرب. قلّة فقط لزمت الصمت حيال خسائرها الفعلية، في حين انــــفـــجرت الأكــــثرية من الفــــنّانين بالــــكلام على مــــا ضـاع مـــن الأرزاق التي تقطع الأعناق... وهي لا تذكر أحياناً!
المغنّي الذي تضرّرت «شبابيك» منزله أو مرأب سيارته أو وقعت منفضة سجائر على سجادة عجمية في صالون الاستقبال في دارته العامرة، اتّصل بأقرب وسيلة إعلامية معلناً النبأ، معتبراً ذلك قرباناً على مذبح الوطنية! والمغنّية التي انزلقت علبة ماكياجها عن المنضدة، أو نسيت أظافرها الاطصناعية في غرفة النوم عندما هربت جرّاء القصف، أو أصيب أحد إطارات سيارتها بثقب، اتّصلت بمصوّرها الخاص وركضت أمامه لتستعرض خسائرها الجسيمة، واعتبرت ذلك ضريبة من الضرائب التي يدفعها الفنّان إكراماً لوطنه وشعبه وأمته العربيةكأنّ هؤلاء الفنّانين لم يشاهدوا على شاشات التلفزيون ما حلّ بربع أهل لبنان في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. كأنهم لم يتابعوا مشاهد التدمير الكامل للمنازل، والحرق الجهنّمي لما يملك مواطنوهم من المنقول وغير المنقول، أو يسمعوا عن التدمير الذي فتك بالبنى التحتية، ولا علموا بأن أكثر من ألف ومئة شهيد وأكثر من خمسة آلاف جريح ســــقطوا في لبــــنان دفـــعة واحدة خلال شهر كامل من جنون إسرائيل.
كل ما شاهده هؤلاء كانت أشياؤهم الخاصة التي انتهت مدة صلاحيتها، أو التي فقدوها بين إقامة وأخرى في لبنان قبل سفرهم الى بر الأمان في الخارج. لذا، اقتضى واجبهم مع «جمهورهم» أن يطلعوه على حالهم التي يرثى لها، تطبيقاً لمبدأ «الشفافية» الذي يتبعونه. لكنهم يستدركون أن «الشكوى» لغير الله مذلّة، وأنهم سيعيدون «بناء ما تهدّم» من الأظافر الاصطناعية والمنافض المكسّرة والإطارات المثقوبة وزجاج الشبابيك المبطّنة بستائر سميكة تمنع عنهم عيون الفضوليين من كل حدب وصوب. سيفعلون ذلك وفق «قدرتهم» المالية التي مَنّ الله والحفلات الخاصة عليهم بها!؟
أضرار جسيمة لحقت بممتلكات الفنّان راغب علامة. إذ سقط في ملعب مدرسة يملكها في المربّع الأمني في حارة حريك، صاروخ بحجم ثلاثة أطنان لم ينفجر. ومع ذلك، لم يشكُ ولم يبكِ ولم يتصوّر أمام الأضرار. ولم يعرف الإعلام عن القصّة إلا عندما نشرت وكالات الأنباء الخبر...
بين فنّان وآخر ، تختلف القدرة على التمييز بين المأساة والملهاة!