رام الله ــ يوسف الشايب
هناك، قبالة متجر الحقائب القريب من دوّار المنارة وسط رام الله، يقف الفتى الفلسطيني منتصر، يومياً، يحدّق لبعض الوقت بواحدة تحمل صورة “الرجل العنكبوت” (Spider Man)، ثم يواصل عمله بائعاً متجولاً، وهي المهنة التي بدأ بممارستها مع بداية العطلة الصيفية لمساعدة أسرته.
يقول منتصر بحسرة، وهو يقف أمام الحقيبة الحلم: “لا يمكنني شراؤها، ثمنها باهظ، وأفضّل أن أشتري خبزاً، وطعاماً لأسرتي وإخوتي الذين لا يجدون ما يسدّ رمقهم... نحن تسعة في منزل واحد، والدي متوفى، وأمي لا تعمل، وشقيقي الأكبر لم يعد لديه ما يصرف علينا، وخاصة بعد انقطاع رواتب السلطة... لي شقيق يدرس في الجامعة ويعمل بائعاً متجولاً في رام الله أيضاً... الوضع صعب وليس من المناسب أن نحلم بشنطة حلوة للمدرسة... قد لا أستطيع أن أكمل دراستي، فأنا سأحتاج مع بداية العام الدراسي إلى دفاتر وأقلام وكتب، وقد لا أجد المال الكافي لشرائها، من أين أجيء بالمال؟!” سؤال منتصر عنوان لمرحلة، إذ إن نسبة مرتفعة جداً من أبناء الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة فقيرة، حسب التصنيفات الدولية، وخاصة بعد مرور أكثر من ستة أشهر لم يتقاض خلالها العاملون في الوظيفة الحكومية رواتبهم، ويقدّر عدد هؤلاء بأكثر من 160 ألفاً يعيلون قرابة مليون وربع مليون فلسطيني.
تيسير جميل بائع الخضر في حسبة رام الله، جمع ياسر (16 سنة) وجاسر (13 سنة) ليعملا معه بدل “القعدة في البيت”، مؤكداً أنه “يحسب ألف حساب للمصاريف التي ستقع على كاهله مع بدء الفصل الدراسي الجديد”، ويقول: “طلبت من أم الأولاد أن تغسل حقائبهم، وأحذيتهم، وطلبت منها أيضاً التقنين في شراء المستلزمات المدرسية، لأننا بالكاد نوفّر احتياجاتنا الأساسية.. التجارة كاسدة”.
ويصف جميل بداية العام الدراسي بـ“المأساة الحقيقية، ففيما يفرح الناس لنجاح أبنائهم، وانتقالهم لمراحل تعليمية أعلى، يفتح بدء العام الدراسي جراحنا، وخاصة عندما أرى الحسرة والحزن في عيون أولادي، لعدم قدرتي على توفير حقائب وأحذية وملابس جديدة لهم»، وتطفر دمعة من عينه.
واللافت أن بعض الأمهات بدأن يتسوّلن حقائب من مؤسسات خيرية أو تعليمية، أو حتى من المكتبات نفسها، وتقول أم قاسم: “أقبل أن أعرّض نفسي للإذلال وأتسوّل حقائب أو ثمن حقائب لأولادي، كي لا أرى الحزن في عيونهم... بعض أصحاب المحال التجارية يطردونني، وبعضهم يقدّم لي حقيبة رخيصة الثمن بتقزّز، وآخرون يدلّوننا على مؤسسات خيرية ولجان الزكاة”. وتنظّم مؤسسات خيرية، وشخصيات عامة، حملات لدعم الطالب الفقير... ومنها حملة الفنّان عمار حسن للطالب المحتاج، حيث ينظم الفنان، بالتعاون مع مؤسسات خاصة، حملة لجمع الحقائب والقرطاسية والملابس للطلاب الفقراء مع بدء العام الدراسي.