حسين بن حمزة
لا يثير غياب نجيب محفوظ ذلك الحزن الذي يسببه رحيل كتّاب في مقتبل العمر أو آخرين يحول الموت المفاجئ بينهم وبين طموحاتهم.
عاش محفوظ كثيراً إلى حد يخيل لنا فيه أنه استنفد طموحاته في الحياة وفي الكتابة في وقت واحد. لقد مات الرجل في الوقت الذي ما عاد فيه موته البيولوجي مفاجئاً لأحد. لقد خلدته أعماله منذ زمن بعيد، فبعد “الثلاثية” و“أولاد حارتنا”، ثم “بداية ونهاية” و“زقاق المدق” و“الحرافيش”، لم تضف السنوات اللاحقة طبقة مختلفة إلى هرم خلوده. إن محفوظ، وقبل موته بكثير، كان قد صنع اسمه الـ“محفوظ” من النسيان. أما عمره الطويل فقد مكّنه من أن يكون روائياً مؤسساً، ثم أباً لجيل روائي مصري متميز في الستينيات والسبعينيات، ثم جداً لجيل أكثر شباباً. لقد سمح القدر لمحفوظ أن يتفرج على صنيعه الروائي وهو يعيش ويتغلغل ويتضاعف ويتسع ويتحول سواء في أعمال من خرجوا من “معطفه” أو في أعمال من جرّبوا أن يكسروا النبرة المحفوظية الطاغية في السرد الروائي المصري والعربي. ما كان في استطاعة أحد أن يتجنب تأثيره وحضوره.
اسم محفوظ كان مساوياً لفكرة “الرواية”، إذ إن أي حديث عن الرواية لا بد من أن يستدعي اسمه، والأرجح أن مفردة “رواية” واسم “نجيب محفوظ” هما شيء واحد في معجم الكتابة وفي أذهان معظم قارئيه.