مصطفى ذكري

أنا اليوم في الأربعين. لا يمثّل لي نجيب محفوظ الشيء الكثير، حتى الأعمال التي أحببتها في فترة الدراسة الجامعية، مثل “زقاق المدق” و“الحرافيش”، لا أستطيع العودة إليها مرة أخرى. وبقيتْ أسطورة دأبه ونظامه وأعماله التي تغطي التاريخ السياسي والاجتماعي وعمره المديد كالأخلاق الجامدة التي هاجمها نيتشه بضربات مطرقة. هو بالطبع له مكانة توماس مان وتولستوي وأناتول فرانس، ورواياته تصلح للمختصرات الدراسية لطلبة المرحلة الثانوية مثل شكسبير وديكنز، وتصلح أيضاً للأعمال السينمائية المتوسطة القيمة، كما فعل حسن الإمام بثلاثيته الشهيرة. كنتُ أصطدم عن طريق الصدفة طوال سنوات بذوق الرجل الكبير عندما يتحدث عن الكتَّاب الذين يحبهم، وعلى رأس قائمته المفضلة العرَّاب الروسي تولستوي. وهذا مناسب كثيراً لذوقه التقليدي، لكنه عندما يذكر دوستويوفسكي أو بروست أو كافكا، كنتُ أستشيط غيظاً، وأقول في نفسي: ما له وما لهؤلاء؟ هل هنا أيضاً يتعلق الأمر بتوازن قناعاته السياسية المتأرجحة بين اليسار واليمين؟ مَنْ سيأخذ عليه عدم انسجامه مع جويس أو هرمان هيسه أو بيكيت؟ أو حتى عدم فهمه لهذا النوع من الأدب؟ الأدهى عندما يتورط في قول وصفات لقراءة هذا النوع من الأدب، والحالة الشهيرة هي حالة “البحث عن الزمن الضائع” حيث ينصح القارئ بقراءة العمل كما قرأه في زمن عمله الحكومي، وخلاصة الوصفة أن تقرأ بانتظام كل يوم، على ألا يتجاوز زمن القراءة ساعة زمنية. ومَنْ يعرف بروست يعرف مدى سذاجة تلك الوصفة. ونقلاً عن جد مارسيل في الجزء الأول من “البحث عن الزمن الضائع”، قال والد سوان عن موت زوجته إنه يتذكرها كثيراً لكنْ قليلاً في كل مرة... وكانت العبارة الساحرة محط أسى ومرح عائلة مارسيل. وكانت تُقال في ظروف مختلفة. لكن يبدو أنّ تلك الوصفة تصلح لكل شيء إلا لقراءة “البحث عن الزمن الضائع”.