خليل صويلح
أطلق نجيب محفوظ في “الثلاثية” هدير “الرواية النهرية” متوقفاً بعمق عند شخصيات وأمكنة وروائح. وكان على القارئ أن يستعيد مع شخصية كمال عبد الجواد تفاصيل سرية، وربما مضمرة، من حياة نجيب محفوظ نفسه، بوصفها نوعاً من السيرة المشتهاة. تمرّد كمال عبد الجواد على المؤلف نفسه، ليحقق نجيب محفوظ على الورق، ما لم يحققه في الحياة العلنية. ذلك أن سيرة الموظف النموذجي التي طبعت حياة صاحب “المرايا”، تبعد مسافة طويلة عما يمور بين سطور رواياته، وعوالم شخصياته، وهي تتجوّل في أعماق القاهرة وشوارعها الشعبية ومقاهيها و“غرزاتها” السرية على النيل.
لكن منجز محفوظ وسطوة حضوره، لم يمنعا أحفاده في الرواية، من أن يتمردوا على سرديته “التقليدية”. الحكاية لدى هؤلاء تحولت الى حطام وشظايا شخصيات وبقايا أمكنة. إذ لم تعد “الحارة” فضاء روائياً، بل اكتفى الروائي الجديد بمكان هامشي، قد تكون شقة على السطح أو “مول”... وربما عربة مترو الأنفاق. إن قاهرة نجيب محفوظ هي نتاج الشخصية المتكاملة، فيما ذهبت الأجيال اللاحقة الى اختبار لحظة أخرى، غير قابلة للاكتمال بفعل التحولات المحتدمة باستمرار. ذات مرّة، دعا الروائي ميلان كونديرا الى “خيانة الوصايا”، ولعل هذا ما فعله الجيل الجديد في الرواية العربية بامتياز، حين تمثّل “تراث” صاحب نوبل، ثم أدار ظهره الى نص مختلف.