إبراهيم أصلان
نجيب محفوظ مؤسس الرواية العربية، وكل الذين كانوا قبله مهدوا الطريق ليس إلا. لكن الأساس الحقيقي والقوي للرواية العربية، محفوظ هو الذي وضعه. وهو أساس متين بحيث إنه يتحمّل كل أشكال البناء الممكنة فوقه. وهذا يعني أنه أهّل اللغة العربية لمثل هذا الشكل من أشكال التعبير، باعتبار أن الرواية تجربة لغوية مثلما هي تجربة في القص.
ومع إعجابي بشخص محفوظ لا أنكر أن هناك فروقاً بين تجربة جيلي وتجربته. أحياناً أتصور أن هذا الاختلاف يمكن رده بسهولة إلى ظروف وأسباب موضوعية تماماً. في الستينيات كان نجيب محفوظ شأنه شأن معظم كتّابنا في هذا الزمن صاحب رسالة يعمل على إيصالها للقارئ. وبالتالي كان النص المكتوب يعتبر برهنة على معنى معيّن أو مفهوم. أنا لم أكن أمتلك رسالة، ولم أكن أبدأ بشيء أريد أن أوصله، لكني كنت أسعى الى رسالة، أو أسعى بعملي إلى معنى إذا صح التعبير.
وكان محفوظ أحد الأسباب التي دفعتني مصادفة إلى كتابة الرواية، إذ كنت أكتب القصة القصيرة التي كانت تتصدر المشهد الثقافي في الستينيات. وكنت أداوم على حضور ندوته الأسبوعية في مقهى “ريش”، وكنت أعمل في هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية وقتئذ. وكان نجيب محفوظ مُهتماً بالقصص القصيرة التي أنشرها، وذات يوم لاحظ تغيّبي عن لقاءات الجمعة... وعرف أنّ ذلك بسبب عملي الذي يضطرني أحياناً إلى العمل في وردية الليل، فسارع إلى كتابة تزكية كي أحصل على منحة تفرّغ لمدة سنة. كما كتبت لطيفة الزيات وكتب صلاح عبد الصبور أيضاً خطابات تزكية... وحصلت على منحة تفرغ لسنة قابلة للتمديد. وبدأت تظهر الأخبار في الصحف، أنّ إبراهيم أصلان حصل على منحة تفرّغ كي يكتب رواية، فنفيت الخبر مؤكداً أنني كاتب قصة قصيرة، لكن اتضح لي أنه لا يوجد تفرّغ للقصة القصيرة، وأنّ التفرغ يعني أن تكتب رواية أو مسرحية أو بحثاً طويلاً، وأنا كنت وما زلت أستغرب من كلمة روائي التي تسبق أسماء الشخصيات. كنت أراها أشبه بدرجة وظيفية. فقلت: ما دمت قد حصلت على التفرغ، فلا توجد مُشكلة، سوف أكتب رواية. وبعدما انتهت السنة، لم أكن قد انتهيت من الرواية، فقررت أن أرفض التجديد بعدما شعرت بأن البطالة لا تؤدي إلا إلى البطالة.