القاهرة ــ محمود موسى
علاقة نجيب محفوظ بالفن السابع مثيرة للاهتمام، فهو أول روائي عربي يكتب للشاشة، وقد أدّى دوراً مهماً في تاريخ السينما المصرية. تعود بداية علاقته بالسينما الى عام 1945‏ مع فيلم “مغامرات عنتر وعبلة‏”. يروي صاحب “الثلاثية”: “عرّفني صديقي المرحوم الدكتور فؤاد نويرة بالمخرج صلاح أبو سيف وطلب مني أن اشاركهما في كتابة سيناريو فيلم. كان أبو سيف صاحب الفكرة، وشجعني على العمل معه قائلاً إنه قرأ لي “عبث الأقدار”... وأوهمني بأن كتابة السيناريو لا تختلف عما أكتبه. والحقيقة أنني تعلمت كتابة السيناريو على يد أبو سيف‏”.
شارك محفوظ في أكثر من ستين فيلما‏ً ككاتب سيناريو، واقتبست السينما عن رواياته ‏27‏ فيلماً مصرياً بالاضافة إلى فيلمين مكسيكيين عن روايتي‏‏ “بداية ونهاية” و“زقاق المدق”‏.‏ وكتب بنفسه مباشرة أكثر من سيناريو وقصة سينمائية.
هل الافلام التي قدمت تنتمي إلى عوالم محفوظ أم انها عبّرت عن مخرجيها وكتّاب السيناريو‏؟ يقول ممدوح الليثي نقيب السينمائيين الذي كتب سبعة افلام مأخوذة عن روايات نجيب محفوظ ــ بينها “ثرثرة فوق النيل” و“السكرية” و“الكرنك” و“ميرامار” و“الحب تحت المطر” ــ “إنّ كل هذه الافلام “تنتمي إلى فكر محفوظ، لأنه صاحب الرواية الأولية”. ويستدرك: “لكن اللغة السينمائية من أفكاري‏. أنا كنت أحرص على ايصال المضمون الذي يريده من دون إخلال أو تغيير للأسماء أو الوظائف. فأحياناً نعدل فيها لإضافة أهداف أخرى”.‏
وأكّد الليثي أن محفوظ “لو لم يثق بي تماماً، لما سمح لي باستخدام رواياته، وهو لم يغضب مني قط، بل انقذني ذات مرة عندما اصرّ يوسف السباعي على حذف مشاهد من “الكرنك”. يومها، دعوت استاذنا إلى مشاهدة العرض، فحضر على رغم انه لم يكن يحب مشاهدة افلامه، وأنقذني وجوده من غضب السباعي وزير الثقافة آنذاك”. ويؤكد الليثي أنه لم يتدخل يوماً في اختيار الابطال: “عندما كنا نعرض عليه اسم البطل او البطلة، كان يكتفي بكلمة ممكن”‏.‏ أما السيناريست مصطفى محرم، فيرى أن أهم اعماله هي التي قدمها عن روايات لنجيب محفوظ، ومنها افلام “وصمة عار” و“الجوع” و“الحب فوق هضبة الهرم” و“شهد الملكة” و“الخادمة” و“وكالة البلح” و“أهل القمة” و“دنيا الله” و“سمارة الامير‏”. ويقول: “كنت ألتزم تماماً الرواية المكتوبة ومضمونها. آخذ الفكرة فقط وأبني حولها النسيج الدرامي. ولم يعترض محفوظ على عملي. بل أذكر أنه انتصر لي، وفضّل سيناريو كتبته لـ “شهد الملكة” على سيناريو سعيد مرزوق‏”.
ولعلّ محفوظ هو الأديب الوحيد الذي ربطته بالسينما تلك العلاقة الوثيقة بالفن السابع. وقد عمل مديراً للرقابة، ثم مديراً لمؤسسة دعم السينما، ثم رئيساً لمجلس إدارتها، ثم مستشاراً لوزير الثقافة لشؤون السينما.