strong>محمد خير
أصيب أحدهم بالضيق والملل من تدخين نوع معين من السجائر المحلية. سمع أن الدولة تنتج صنفاً أجود ومن الماركة نفسها، مخصص للتصدير فحسب، فطلب من أحد أصدقائه المسافرين أن يجلب معه بعضاً من النوع “التصديري”. وما إن دخّن أول سيجارة، حتى سعل قائلاً: “أحمد زي الحاج أحمد”، أي إنه حتى وإن كان هذا النوع معداً للتصدير، فإنه يظل ينتمي الى الماركة الرديئة نفسها، ومن الصعب أن نتصور أن الحال ستتغير لمجرد تغيير الغلاف. هذه الحكاية تنطبق بصورة مدهشة على قناة “النيل للأخبار” التي تنطلق في أول الشهر المقبل، باسم جديد هو “مصر الإخبارية”. لا يبدو استباقاً للأمور أن نتوقع أن “أحمد سيكون زي الحاج أحمد”: على رغم أن القناة الجديدة قد اتخذت مقراً جديداً، وهو استديو الدراما التابع لقطاع الإنتاج في اتحاد الإذاعة والتلفزيون، فهي تظلّ داخل الطبقة الخامس في مبنى “ماسبيرو” الشهير وسط العاصمة. وعلى رغم تغيير الديكورات وتجديد الأثاث، احتفظت بطاقم العاملين القديم. وفيما أسست شركة باسم “قناة مصر الإخبارية” لإدارة القناة مستقبلاً، تحتفظ المحطة برئيستها القديمة هالة حشيش التي “ورثت” منصبها عن سميحة دحروج، مؤسسة القناة. وسيُبدل شعار القناة الحالي من حرف N ليصبح “نهر الحقيقة”. ما سيحدث إذاً هو نوع من “التعزيل”، أي الانتقال من منزل إلى منزل آخر. لكن السكان لم يتبدلوا، وبما أن وزير الإعلام أنس الفقي باق في منصبه، فما الذي يمكن أن ينتظره المشاهد من تلك التغييرات؟
عندما تأسست “النيل للأخبار” و“النيل الدولية” في منتصف التسعينيات، كان ذلك ضمن باقة من القنوات المصرية المتخصصة، بدأت جميعاً الخطوات الأولى في مشروع طموح لترقية الإعلام المصري، وضمت شباباً متميزاً وموهوباً. اليوم، يخجل المشاهد من المقارنة بين “الجزيرة الدولية” و“النيل الدولية”، على الرغم من أن الثانية سبقت الأولى بثلاث عشرة سنة كاملة . واليوم، لا يتابع أحد القناة المصرية الناطقة بالإنكليزية، اللهمّ إلا بعض ربات المنازل اللواتي يتابعن المسلسلات العربية الجديدة، مصحوبة بشريط الترجمة! وكانت المشاكل بين حشيش والموظفين بدأت قبل ان يبدأ بث القناة الجديدة.
ما لم يدركه المسؤولون عن القناة أن مشكلة التلفزيون المصري هي تبعيته المطلقة للحكومة، وتقديمه أخبار الوزراء والسفراء على كل ما عداها. لذا، ستظل التغييرات والتجديدات من دون جدوى: مجرد ديكورات فاخرة وصالونات باردة وحديث بلا طعم، لا تشعر خلاله أبداً بأن “البيت بيتك”!