كيزايا جونز في بيروت لليلة واحدة يحيي خلالها حفلته المنتظرة منذ التسعينيات. هكذا يطل من على واجهة بيروت البحرية، في قاعة "ميوزكهول" (ستاركو) التي استضافت قبله عشرات الأسماء الكبيرة من شتى الأنماط الموسيقية. الرجل بلغ ذروة شهرته في تسعينيات الألفية الماضية، حيث أصابت حمى كيزايا جونز العالم وصولاً إلى لبنان آنذاك. ولد جونز في لاغوس (نيجيريا) عام 1968 لكنه وصل صغيراً إلى بريطانيا حيث بدأ مسيرته الموسيقية عبر تعلّم البيانو ثم الغيتار الذي رسا عليه كآلةٍ أساسية، ربما لأن التعامل معها أسهل لمن يهوى التجوال والعزف في الشوارع. مسيرته المحترفة انطلقت مطلع تسعينيات القرن الماضي من باريس التي اكتشفته عازفاً ومنشداً في محطات الميترو، على غرار الكثير من الفنانين الذين يزيّنون هذه المساحات المكتظة بآلاف المتنقّلين تحت الأرض الباريسية. عام 1992 أصدر ألبومه الخاص الأول Blufunk is a Fact، والعنوان يحمل النمط الموسيقي الذي ستتمحور حوله تجربة كيزايا جونز، أي المزيج بين البلوز والفانك (وهو ليس اكتشافاً كبيراً كما يتكلّم عنه البعض أحياناً).
انطلقت مسيرته المحترفة من باريس التي اكتشفته عازفاً ومنشداً في محطات المترو
إذاً، هكذا سيضع مجموعة من الأغنيات بين البلوز والفانك والسول والنفس الأفريقي والروك أيضاً، مؤدياً إياها بصوت جميل، ومرافقة على الغيتار الذي ملك أسراره متأثراً بجيمي هندريكس منحازاً إلى الشكل التقليدي للفرق، أي تلك التي تعتمد على الموسيقي وآلته وليس على تكنولوجيا البرامج التي أنتجتها شركات الكمبيوتر. حوى هذا الألبوم أغنية Rhythm is Love التي أمنت لصاحبها تأشيرة دخول إلى العالم، لكنها لم تكن الوحيدة في العمل الذي نقل أفكار جونز كفنان أفريقي إلى الناس، من خلال تناول العبودية التي لا تعود إلى عصور قديمة، والهموم الخاصة بالعمل في الفن في القارة السمراء، وصولاً إلى الحب، القاسم المشترك بين الشعوب والأزمنة.بقبعته الثابتة المتحوّلة ونظاراته الفانكي الداكنة (على غرار ليني كرافتس وماركوس ميلر) جال كيزايا جونز العالم مغنياً وعازفاً قبل أن يخفت نجمه في فترة ما بين الألفيَّتين. في تلك الفترة أصدر African Space Craft عام 1995، وتلاه عام 1999 Liquid Sunshine اللذين لم يحملا شرقة البدايات. عاد جونز إلى الضوء عام 2003 مع ألبوم Black Orpheus الذي وضعه مجدداً على الساحة الفنية العالمية، ولو بزخم متواضعٍ نسبياً. بعدها أصدر Nigerian Wood وفي الفترة نفسها، عام 2008، فاجأ جونز الجمهور في محطات الميترو عازفاً ومغنياً على "المسرح" الذي انطلق منه. في السنوات الأخيرة أطلق جونز ألبوماً واحداً بعنوان Captain Rugged وهو السادس في مسيرته، إذا استثنينا الإصدارات الحية والتسجيلات التي حوت أفضل ما أنتج سابقاً.
في أفريقيا تجارب موسيقية غير معروفة بعد. هناك مواهب تبدع وتنشد وتصدح ولا أحد يسمعها. حصلت محاولات عدة لنقل ما "تفكّره" هذه القارة موسيقياً وانتشرت أسماء كثيرة في العالم من كيزايا جونز إلى ملهمه الروحي ومواطنه فيلا كوتي وغيرهم العشرات. لكنّ في القارة-الأم كنوز مدفونة وآلاف الـ "موزار" يموتون من نقص المياه أحياناً، وكلّما تحنّن شمال الكوكب على بعضٍ من جنوبه يشعر المرء، على عكس المنطق، بخسارات لا ولن تعوَّض.
في خبر سريع نشرناه سابقاً إثر الإعلان عن الحفلة، أشرنا إلى أن الجمهور اللبناني كان ينتظر كيزايا جونز في التسعينيات. لكن، هكذا يحصل غالباً في لبنان، وما لمحبيه "السابقين" سوى اعتبار أن يأتي متأخراً أفضل من ألّا يأتي أبداً. لكن الشوق إلى كيزايا جونز مطلع التسعينيات لم يتكرّر لغاية اليوم، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها. يبقى توقيت الحفلة الذي نراه صائباً لناحية وقوعه بعد الشح النسبي في الأشهر الأخيرة ومباشرةً قبل هستيريا الحفلات في الصيف. هذا ما يمنح الحدث فرصة مستَحقّة بدل أن يضيع في بحر الأسماء التي بدأت تزفّنا إياها لجان المهرجانات السياحية.

حفلة كيزايا جونز: عند التاسعة من مساء اليوم في "ميوزكهول" (ستاركو ــ بيروت). للاستعلام: 01/361236