نترقب مساء اليوم أحد أكثر الفنانين النيجيريين شهرة في أوروبا والعالم. بدعوة من "ليبان جاز"، ينطلق موسم الحفلات في الـ"ميوزكهول" بأمسية خاصة لكيزايا جونز الذي سيقدّم أبرز نجاحاته، محاطاً بعدد من الموسيقيين. بعيداً عن الأجواء الجدية التي ترعرع فيها، اعتمد كيزايا جونز (اسمه الأصلي أولوفيمي سانياولو) نمط حياة بوهيمي، مكتسحاً حانات لندن وشوارعها بالموسيقى. خلافاً لإرادة والده الصناعي الثري الذي أراده أن يتبع خطاه، حفل تاريخه المدرسي بالطرد. من مدرسة الى أخرى، وجد جونز نفسه أخيراً مغنياً في المترو اللندني ثم الباريسي، مثبتاً للجميع، وخصوصاً لذويه، أنه قادر على تدبّر أموره من دون مساعدة أحد. التنقل في الشوارع ومحطات المترو جعل الموسيقي يكتسب خبرة مختلفة، بفضل عزفه الحي أمام الناس. طوّر لنفسه أسلوباً فريداً وخاصاً به، بفعل هذا التواصل المستمر مع الموسيقيين في الشوارع وكذلك مع الناس المحيطين به. فقدّم نمطاً موسيقياً يُعرف بالـ"بلوفانك" (أي مزيج بين البلوز والفانك)، سيكون على أي حال عنواناً لأول أعماله المسجلة.
بطله الأفريقي يهزأ بالسلطة والسياسة ويحكي قصصاً عن اللاجئين والأحلام المنسية
وسيقاه متأثرة خصوصاً بـ"أفروبيت" (مزيج الجاز والفانك) المؤلف النيجيري فيلا كوتي، وكذلك بجيمي هندريكس من ناحية عزفه على الغيتار. يعتبر جونز غالباً أن موسيقى السول والـ"يوروبا" النيجيرية لهما أثر لافت على تطور أسلوبه الموسيقيإ إضافة إلى مايلز دايفس وجون كولتراين اللذين يعدان من أبرز الموسيقيين الذين يستمع إليهم. رغم ذلك، لا تتوقف ثقافته الموسيقية عند الموسيقى العصرية، إذ يولي اهتماماً أيضاً لموسيقى باخ، إضافة الى مؤلفات سترافينسكي وشوستاكوفيتش وكل من يعتبرهم أشخاصاً خارجين عن المألوف.ينتمي الفنان الى جيل من الموسيقيين النيجيريين المفعمين بالطاقة الإبداعية. الى جانب البلوز والفانك اللذين يشكلان أساس الموسيقى التي يؤلفها، يمتلك جونز ميلاً الى استخدام أوتار الغيتار كآلات نقر أحياناً، وهذا ما ميّز عزفه. وفّر له الأداء في الشارع مهارة في استكشاف إمكانات آلة الغيتار والعمل على إخراج أصوات عدة من الآلة نفسها، مازجاً بين الإيقاع وعزف البايس وعزف اللحن على الغيتار، ليأتي بقطعة مكتملة.
ذات يوم، حين كان جونز يغني ويعزف في أحد شوارع لندن، استرعى انتباه المؤلف الموسيقي فيل بيكيت الذي سرعان ما أصبح مدير أعماله وساعده على التعامل مع شركة إنتاج من أجل إصدار ألبومه الأول تحت عنوان Blufunk Is a Fact ، مسجلاً بذلك نجاحاً نقدياً عالمياً، ولا سيما مع أغنية Rhythm is Love التي باتت من أشهر أغنيات الفنان. بعد انطلاقة ناجحة في أوروبا، وخصوصاً في فرنسا، قرر الفنان العودة الى لاغوس التي غادرها عندما كان في الثامنة من العمر للعيش هناك في عام 2010، رغبة منه في جعل بلاده تستفيد من نجاحه على المستوى الاقتصادي.
"كابتن راغد" هو ألبومه السادس، وقد أطلقه عام 2014. وعلى غرار عدد من الموسيقيين (ديفيد بووي مثلاً الذي ابتكر "زيغي ستاردست”)، ابتكر جونز شخصية أخرى لنفسه حمّلها اسم "كابتن راغد"، أمضى نحو عشر سنوات يعمل عليها من أجل إضفاء قوة موسيقية جديدة على مسيرته. الشخصية بطل أفريقي يهزأ بالسلطة والسياسة والواقع، ويمتلك قدرات خارقة تمكنه من إخبار الحكايات عن الهجرة واللاجئين والأحلام المنسية. يترافق هذا الألبوم بكتاب صوري حيث تُروى مغامرات الكابتن المزعوم. وقد تمكن جونز، الكاتب والشاعر، من الخلط بين موهبتَي الكتابة والتأليف الموسيقي ليقدّم أعمالاً مثيرة للاهتمام، خاصة جداً، وحميمة وسوداوية في بعض الأحيان بقدر ما هي غنية بالجمل اللحنية الجميلة التي تعلق في الرأس. فضلاً عن ذلك، هو فنان من نواحٍ عدة، إذ يهوى التصوير أيضاً وقد أنتج عدداً من الأفلام القصيرة.