لدى عودتها إلى لبنان عام 2007، كان «الضحك والسخرية» ردة الفعل الأولى لكل من سمع بالمشروع الذي تبادر إلى ذهن سابين شقير (1982)، رغم أن هدفه بحد ذاته هو الضحك، لكن في إطار مغاير يبتعد عن السخرية أو الاستخفاف. يقول سينيك إنّ «المرء لا يسخر من الذي يضحك على نفسه»، وهذا ما يقوم به المهرج: يضحك مع نفسه على نفسه، ويضحك الآخرين معه. أصابت سابين شقير حين سمّت الفرقة التي أسّستها مع زميلتها غابرييلا مونيوز Clown me In. تفضل عدم وضع ترجمة عربية لاسم الفرقة. الموضوع بسيط: أرادت نقل ما تعلمته من مدرسة لو كوك في «مدرسة ديسموند جونز للإيماء» في لندن، حيث تمّ تتويج سنتين من الدراسة بفصل مخصص لتعليم تقنيات المهرج. أن تكون مهرجاً لا يعني فقط أن تحيي أعياد الميلاد. أن تكون مهرجاً، يعني أن تبحث في ذاتك عن كل ما تحمله من وجوه لتستنبط منها شخصيات متعددة. قد تحب تلك الوجوه أو الشخصيات، وقد تكرهها أحياناً. أن تكون مهرجاً هو أن تتقرب من نفسك أكثر، «أن تنحت في دواخلك، أن تزجّ نفسك» وتقبل ما أنت عليه بسيئاتك وحسناتك. حينها، تستطيع أن تقترف الخطأ وتضحك عليه. أن تقع مئة مرة، ثم تقوم من جديد. المهرج هو كائن حر متصالح مع أخطائه، وبالتالي هو دائماً متمسك بالأمل.
كان الأمر بالنسبة إلى سابين أشبه بعلاج ذاتي، بل أفضل علاج على حد تعبيرها. لدى تخرجها من مدرسة جونز، أرادت نقل ما تعلمته إلى الآخرين.
يركز العرض الحالي على قضية النفايات، مبتعداً عن الوعظ والتوجيه
وعندما تقول الآخرين، تعني كل الناس. بدأت بجولات في الهند والبرازيل والمكسيك مع زميلتها مونيوز حيث كانت تقوم بعروض وتنظم ورشات عمل مع محترفين وغير محترفين، ثم عادت إلى لبنان حيث «الفاجعة». عام ٢٠٠٨، قامت بإرسال مقترح حول تنظيم عروض مرفقة بورشات عمل لأكثر من ٨٠ مؤسسة، لكنها لم تلق سوى استجابة واحدة. عندها، قررت تنظيم ورشات عمل خاصة بـ «المهرّج»، وكان معظم المشاركين لا يمتون إلى عالم فنون الأداء بصلة: بعد ورشة مع مدمني الخدرات، نظمت ورشات خاصة ضمّت محامين وموظفّي مصارف وأطباء... في إحدى هذه الورش، اقترحت سابين على المشاركين أن يقوموا بجولة في الشارع. كان النزول الأول إلى الشارع بمثابة اكتشاف للجميع، اذ لم يكن متوقعاً أن تكون ردة فعل الجمهور إيجابية حول مهرج ينتقد ولو بشكل مبطن قضايا يومية كرمي النفايات من السيارة أو عدم الوقوف عند اشارات السير. من هنا، بدأت فكرة «تدخلات المهرج» أو «المهرّج يقتحم» (Clown Attacks) في الفضاءات العامة بشكل دوري.
قبل شهر على إقفال مطمر الناعمة عام ٢٠١٥، كانت الفرقة تقوم بتدخلات في الشارع مرتبطة بالتوعية حول تدوير النفايات وعدم رميها من قبل المواطنين في الأماكن العامة. بدا ذلك إحساساً استباقياً من قبل مهرّجي Clown me In لما تحضّره البلاد لمواطنيها من أزمات، بخاصة أنّ الفرقة ركزت منذ السنوات الأولى لنشأتها على هذا الموضوع. لن تحتاج أزمة النفايات للكثير من الجهود لحث الفرقة على النزول إلى الشارع والمشاركة في التظاهرات على طريقتها: بعد بيع النفايات للمتظاهرين، صوّرت مجموعة من الأفلام القصيرة الساخرة. ربما معظمنا يعرف فيلمي Lebanon as not seen on TV وLove and Toxics in the air الذين كثر تداولهما على وسائل التواصل الاجتماعي.
ركّزت الفرقة عام ٢٠١٥ على قضية النفايات والتحضير للعرض الذي يقدّم طيلة شهر أيار (مايو) الحالي. لا عنوان للعرض، وهنا تكمن المفاجأة الأولى للمشاهد. هو موجه للناشئة وللراشدين ويقدم للجمهور «روتينيات المهرّج» التي تشمل مشاهد نمطية يقوم بها المهرجون كالـ «هولا هوب»، وشريط الجمباز، والصفارة والكثير غيرها. رغم بساطة هذه المشاهد، إلا أنها باعِثة على الفرح وكفيلة بنقل المتلقي إلى عالم آخر. تذكر سابين مشهد الفقاعات الذي ينقل المشاهد في لحظة ما إلى الحلم، إلى درجة أنّ المهرجين نسوا أنفسهم في هذا المشهد: دخل كل من سارة برجاوي، وهشام أبو نصر، ووليد صليبا، وليال غانم وسابين شقير فقاعته، وقبع هناك من دون أن ينتقل إلى المشهد اللاحق.
مع ذلك، يشير العرض إلى الموت والتنمير عبر بعض المشاهد. وفقاً لسابين، يبتعد عرضها عن الوعظ والتوجيه. تكفي حركة جسدية أو إيماءة، لنقل للمشاهد فكرة ما من دون أن يفكر فيها حتى.
يترافق العرض مع ورشة عمل تتيح للمشاركين أن يختبروا وينفذوا كل المشاهد التي رأوها في العرض تحت عناية كل المهرجين.
بدعم من السفارة السويسرية وحتى نهاية الشهر الحالي، سوف يقدَّم عشرين عرضاً في مختلف أنحاء لبنان، في المخيمات والمدارس وخارجها.
هو عرض عابر لكل شيء، يتوجه للأطفال والناشئة كما يتوجه للراشدين، يستمتع به أي فرد كائن مهما كانت خلفيته.