وقعت نسرين أكرم خوري (مواليد حمص ـ 1983) باكورتها الشعرية «بجرّة حرب واحدة» ( دار التكوين) في مقهى «ة مربوطة» أخيراً، حيث اكتشفنا شاعرة تعمل على عبارتها كما يليق بالشعر. نقرأ لخوري مع شعور حاد بأن قصيدة النثر تجذلها هي شخصياً في جوهرها.
تملك خوري في قصيدتها قوتين متعارضتين: القاعدة التي يجب اتباعها لكتابة قصيدة، والحرية في العمل عليها باعتبارها نوعاً مبينّاً ومفتوحاً وذا إيقاع محسوس للغاية، ما يتيح لقارئها أن يشهد الإلهام الشعري داخل هذه المعادلة الفنية، واللغة التي تتشكّل على قياسها وشبهها، كما ومُتخلّصة الى حدود قصوى من الرمزية. ما من بذخ لغوي هنا، بل كلمات متألقة تعالج فكرة الكاتبة في قصيدتها: «قال لي: اصمدي/ أنت كاتدرائية حمص الباقية/ ثم رحل» أو «الحقائب/ تلك المنافي الصغيرة الملوّنة/ تعاني اليوم من نوستالجيا الغبار».
حالة من الشعر السكوني، المتوازن بتناغم، مع أنه أسير حزن أليم ورؤى. الانفعال عند الشاعرة يخضع للسيطرة، محكوماً بأن يصبح عنصراً جمالياً من رقته وبساطته.
ترفض قصيدة خوري الاندماج في العالم الموجود سلفاً، مطالبة باستقلالها الخاص وبإرادتها الفوضوية. كما أنها تظل ـ رغم أطياف الحزن ـ خارج هذا الاضطراب الآني الآخذ بنا وببلادنا، محققة بذلك خطوة أولى وحاسمة في هيكل الشعر. تعتقد خوري أنّ من الصعب أن يصف أحد علاقته بالشعر. الأمر مربك على مستوى القراءة، فكيف بالكتابة حيث تبدو القصائد كأحجار الدومينو يصفّها الشاعر كي يحدّد شكل هذه العلاقة ثم ينقرها بإصبعه ويعيد صفّها من جديد؟ تقول خوري: «إن تجرأت على صفها لا افكر إلإ بإفساد الشعر لحياتي.

مسكونة بهاجس
الصورة بوصفها الركن
الأساسي للنص
أقف على المجلى مثلاً وأحاول انتشال الغرقى من بين الأواني، كلما غادرت مدينتي أشعر بأن الشجار تميل كي تقول لي: أخطأت الوجهة يا بنت. الحياة بدورها تنبهت لذلك وصارت تثأر مني وتعاقبني على خيانتها لصالح الشعر». عن جدوى الشعر وكتابته في زمن الحرب والقبح، ترى الشاعرة أنّ الشعر لا يستطيع أن يفّك حصاراً ولا يحرّف مسار صاروخ ولا أن يكسر نصل سكين أو يجعل الرايات السود زهرية، لكن جدواه أكبر بكثير داخل الحروب وخارجها ولو «أنني لا أستطيع توصيف هذه الجدوى بالكلمات». يعجب خوري العديد من الشعراء في سوريا من دون معرفة كيفية فرز الشباب من بينهم، فأول اسم شعري يقف على باب قلبها هو سنية صالح. ثمة أصوات شعرية شبابية لم نكن نسمعها قبل الحرب فرضت نفسها حالياً وهذا يفرحها كثيراً، بخاصة حين تخرج هي نفسها من الجوقة وتستمع اليهم كما لو مفاتيح بيانو تعلو وتهبط لتؤلف مقطوعة رجع صداها جمال صرف.
لخوري علاقة واضحة بشعر الصورة إن صح التعبير. الصورة ضرورية عندها رغم شح العبارات. وترى أنّ مهمة الفنون عامة، والشعر خاصة هي إعادة تصوير الأشياء أو تصويبها من زاوية رؤية الشاعر الخاصة. من هنا خوري مسكونة بهاجس الصورة وباعتبارها (أي الصورة) الركن الأساسي للنص، لأنها حتى وهي في حياتها العادية، أي خارج النصوص، لا تستطيع ضبط حدقتيها، فهما ككاميرتين متمردتين لا تكتفيان بمهمتهما الطبيعية بنقل الصورة، بل تؤلفانها في أغلب الأحيان.