الزمن السوريالي : جورج حنين في زيارة خاطفة إلى القاهرة

  • 0
  • ض
  • ض

نجح مؤتمر «السورياليون المصريون من منظور عالمي» الذي نظمته «مؤسسة الشارقة للفنون» قبل أيام في القاهرة بالتعاون مع قسم الفنون البصرية في «الجامعة الاميركية» و«معهد دراسات الحداثة» (جامعة كورنيل الأميركية) في استعادة تراث السوريالين المصريين وإثارة نقاش علمي حول تاريخ هذه الحركة الطليعية. تحقق ذلك من خلال نوعية المشاركات المتميزة التي قدمها مؤرخون وأساتذة وتشكيليون معنيون بالموضوع الذي أثار نقاشات حول تغييب الحركة السوريالية المصرية وإشادات بالدور الذي لعبه مثقفون أفراد أمثال بشير السباعي، وسمير غريب، وهشام قشطة في استعادة هذا التراث. وإذا كان منظمو المؤتمر نجحوا في إبراز الأثر الفني السوريالي، إلا أنّهم لم ينجحوا بالقدر نفسه في إظهار الأثر الأدبي السوريالي، بخاصة في الشعر العربي الذي كان يشهد خلال أربعينيات القرن الماضي تحولات بالغة الأهمية لم تكن في جوهرها بعيدة عما كان يطمح إليه السورياليون الذين قدموا أنفسهم كجماعة أدبية في الأساس. دور يمكن الاستدلال عليه عبر متابعة نصوص جورج حنين، وأحمد راسم، وجويس منصور. زاوية كان تستلزم وجود باحث مثل عبد القادر الجنابي أعطى الكثير من جهده لإثارة هذه النوعية من الأسئلة. ركز المؤتمر على تاريخ وتطور جماعة السورياليين المصريين وعلاقتهم بنظرائهم في الغرب بهدف توثيق واحد من أهم فصول الحداثة منذ أواخر ثلاثينيات القرن الماضي وحتى أوائل الستينات. لذلك تم التركيز على الجانبين التاريخي والفني. في الجانب الأول، عرض وزير الثقافة السابق عماد أبو غازي للسياق التاريخي الذي ظهرت فيه الجماعات السوريالية في مصر، مشيراً إلى أنّها بدأت مع ظهور «جماعة الفن والحرية» في كانون الثاني (يناير) 1939. وأشار إلى أنّ هذه الجماعة كانت هي أجلى تعبير عن السوريالية في مصر، اذ ضمت الى جانب جورج حنين ورمسيس يونان وكامل التلمساني العديد من الأجانب. وحلل أبو غازي العناصر التي تضمنها بيان «يحيا الفن المنحط» الذي أطلقته الجماعة مع تأسيسها، وكان جزءاً من حراك وطني دعا إلى التحرر من الاستعمار الأجنبي والخلاص من التيارات الفاشية، وبالتالي كانت الحركة جزءاً من تيار عالمي تبناه مثقفو العالم الأحرار. في السياق نفسه، عرض المؤرخ الفرنسي ديدييه مونسيو لظروف نشأة الحركة وعلاقتها مع سياسة «اليسار الراديكالي»، إذ وضعت أجندة نقدية وراديكالية تم تشكيلها من قبل الماركسية المعادية للستالينية مع صلات معقدة إلى حد ما مع التروتسكية. وعرض الكاتب والمؤرخ الفني سمير غريب صاحب أول كتاب باللغة العربية عن تاريخ السوريالية في مصر عام 1985، للأثر الذي أحدثه الكتاب مصرياً وعربياً وكيف تسبّب في حركة جديدة لإعادة اكتشاف «جماعة الفن والحرية» والاحتفاء بها، لكنها كانت حركة متناثرة اعتمدت على نوع واحد من التعبير، ألا وهو الكتابة وخلت من التعبير التشكيلي. وردّ في ورقته على انتقادات وجهها بشير السباعي للكتاب تتعلق بحدود ارتباط الحركة بالتنظيمات اليسارية التروتسكية التي عرفتها مصر في الأربعينات. أمر أثار دهشة التشكيلي عادل السيوي الذي أعرب عن خيبة أمله من الورقة لأنّها انشغلت بإعادة إنتاج معارك قديمة. ونال الشاعر هشام قشطة مؤسس مجلة «الكتابة الأخرى» عام 1992 إشادات بسبب الدور الذي اضطلعت به المجلة في إظهار التراث السوريالي المصري. قدّم قشطة قراءة لمجلة «التطور» لسان حال «جماعة الفن والحرية»، مؤكداً دور الراحل أنور كامل، أحد مؤسسي الجماعة في التواصل مع الجيل الأدبي الجديد في مصر. المترجم والباحث في تاريخ السوريالية بشير السباعي اعتذر عن عدم المشاركة في المؤتمر احتجاجاً على الإجراءات التي طلبتها حكومة الشارقة لدخول الشاعر اللبناني اسكندر حبش إليها خلال الدورة الأخيرة من معرضها الدولي للكتاب، إذ أصرت على تدوين طائفته في خانة طلب تأشيرة الدخول. إلا أنّ ورقته المقدمة في المؤتمر أظهرت كيف تمت استعادة الشاعر جورج حنين (1973-1914) مؤسس السوريالية المصرية خلال العقود الأربعة الأخيرة ووضعه في بؤرة اهتمامات الطليعة الأدبية في مصر، بعدما حاول النقد المحافظ استبعاده من تاريخ الثقافة المصرية المعاصرة، متذرعاً بواقع أنّ حنين كان كاتباً فرنكوفونياً أساساً، كأنّ الفرنكوفونية المصرية ليست جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الثقافة المصرية منذ أواخر القرن التاسع عشر. وفي مسار البحث في الجانب الفني وإظهار القيم الجديدة التي غامرت الحركة بتأكيدها، أكدت الباحثة أمينة دياب أنّ إرث الحركة السوريالية لا يزال يثير جدلاً حول طبيعة وأصالة الحركة، فحتى فترة الثمانينات، كانت السوريالية المصرية قد درست من خلال منظور غائي جرى ترسيخه ضمن الكتابات السائدة، ما يعكس محاولة فاشلة لتقليد الحداثة الغربية المتقدمة. وقدم عادل السيوي قراءة في المنتج الفني للسوريالية المصرية تعتمد على تحليل عناصر البيئة البصرية للعمل الفني، واللغة التشكيلية المعتمدة وطبيعة البناء وعلاقة البناء بالسرد داخل العمل، وطريقة تناول وتوظيف الرموز تشكيلياً بما في ذلك توظيف اللون والضوء والملمس وكل عناصر الأبجدية البصرية. سعت الورقة إلى كشف الملامح المشتركة في التجربة رغم تباعد عناصرها، وتقصّي أثر تبدلاتها رغم عمرها القصير نسبياً كما سعت للإجابة على تساؤل حول الخصوصية التشكيلية أو الهوية المصرية لذلك المنتج. وأكد أنّه لا يمكن قراءة المنتج الفني للسوريالية إلا داخل إطار الحداثة الفنية. أما المنتج الفني للسوريالية المصرية، فلا يمكن الاقتراب منه خارج سياق حركتين هما: السريالية العالمية بقلبها الفرنسي، والحركة التشكيلية المصرية بقلبها القاهري. ولذلك يصبح ضرورياً تحليل علاقة المنتج السوريالي المصري بما قدمته الحداثة بشكل عام، وبالسريالية العالمية كحلول بصرية وخصوصية أسلوبية.

0 تعليق

التعليقات