رلى عازر وزياد سحّاب: أجمل «ليالي» الموسم

  • 0
  • ض
  • ض

يسعى زيّاد سحّاب منذ وقتٍ طويل لتقديم المختلف، وكذلك تسعى الفنانة الفلسطينية (من الناصرة تحديداً) رلى ميلاد عازر (الناصرة ــــ 1991) إلى تقديم نفسها إلى الساحة الفنية اللبنانية والعربية بشكلٍ يليق بالجهد الهائل الذي يبذله مهندس وجودها الفني جان مدني. يعمل الثلاثة بجهدٍ كبير وبصمتٍ أكبر على ألبومهم الجديد «يا ليالي».
الألبوم الذي سيبصر النور مساء اليوم في «مسرح المدينة» بدعوة من «نادي لكل الناس»، يحظى بنصيبٍ وافر من التعددية والتنوّع يؤهله ليكون واحداً من أجمل ألبومات هذا الصيف.

تم تسجيل الألبوم بين لبنان وألمانيا؛ لكن المفارقة الكبرى كانت في وضع صوت رلى على الألبوم قبل سماعها للآلات في عزفٍ متكامل، إذ إنَّ صعوبة حركة رلى من الأراضي الفلسطينية المحتلّة إلى لبنان، جعلت مدني وسحّاب يصرّان على تسجيل الألبوم مع العود في البداية، ليعودا للعمل عليه بشكلٍ كامل بعد إضافة الآلات الموسيقية كاملةً. إذاً، يأتي «العمل بالتأكيد كفعل مقاومة» هذا ما يؤكد عليه الثلاثة. لحّن زياد سحّاب الألبوم بشكلٍ كامل (11 أغنية)، كما كتب جميع الأغنيات ذات اللهجة اللبنانية، وتولّى الشاعر المصري الزميل محمد خير، كلمات الأغنيات باللهجة المصرية. مدني بدوره ساهم في وضع الرؤية الفنّية وإنتاج الألبوم، فضلاً عن تسجيله والتوزيع المشترك موسيقياً الذي تقاسمه مع سحّاب. يتميّز الألبوم بلغته المختلفة، سواء موسيقياً (نلاحظ مثلاً وجود آلة النفخ الشبيهة بالترومبيت الفلوغلهورن) أو كلامياً/ مضموناً، فنجد نصاً مختلفاً عن «معتاد» الأغنية العربية هذه الأيّام. وفي المحصّلة العامة، بذلت رلى عازر جهداً كبيراً في الغناء خارج «معتادها»، إذ تغنّي باللبنانية والمصرية بعيداً عن فلسطينيتها المعتادة.
«يا ليالي» هي أول أغنية في الأسطوانة التي حملت اسمها، وتأتي باللهجة المصرية، (صّورت على طريقة الفيديو الكليب بتوقيع فلافيا بشارة وقد بدأ عرضها منذ أيّام). تشير عازر إلى أنَّ الأغنية «صعبة الغناء»، فــ «طبيعة الكلام متلاحقة»، مما يحرم «المغني من التنفس، ولكنها تجربة ممتعة بالتأكيد». وقد أدى العازف السوري نزار عمران عزف الترومبيت في هذه الأغنية.
تُظهِر «بقلبك» روح زياد سحّاب الساخرة من خلال كلماتها التي كتبها الفنان اللبناني، فيما اللحن بدا مزيجاً مفرحاً وهادئاً. تظهر الآلات النفخية بوضوح في الأغنية، ورغم أنَّ اللهجة (اللبنانية) جديدة على رلى، فهي لا تعاني مشكلةً أبداً في غنائها، ولا تبدو ثقيلةً على السامع أبداً. واحدة من ميزات الأغنية هي «سرعتها وقصرها»، وهذا ما يجعلها الأقرب إلى القلب في الألبوم.
«الفكرة» تبدو كما لو أنّها «همس» ونقاش بين فتاةٍ وعقلها بحسب الجو العام لا الكلمات فقط. الموسيقى اللاتينية (التانغو الأرجنتيني تحديداً) تأخذ بعداً آخر في الدقيقة 0:45 حيث يظهر عود سحّاب مع الغيتار؛ وتبدو بوضوح مهارات رلى الصوتية التي يتغيّر صوتها عن الأغنية السابقة، ومعتاد الألبوم بشكلٍ عام.


أغنية «قمر» لعبد
الرحمن الأبنودي تعدّ
مفاجأة الألبوم

وفي حين تأتي «شباك» (كلمات محمد خير) ذات قصّة ومكانة خاصة لدى زيّاد سحاب، فهي «أغنية عرسه» وهدية الشاعر له، فإنّها تمتاز بصعوبتها. يشير مدني هنا إلى «أننا أعدنا تسجيلها مرات عدّة، فالطبقات الموسيقية فيها متعددة. لذلك دققنا في الأمر كثيراً». وتظهر في «شباك» موسيقى الترومبيت والغيتار بشكلٍ كبير.
«جيت تحبك» تظهر «الفلوغلهورن» بوضوح، وهي آلة يحبها مدني وسحّاب كثيراً، فيما أدّى الأرجنتيني مارتن لوياتو العزف (في مجمل الألبوم للترومبيت والفلوغلهورن). كلام الأغنية يتميز بالكثير من السلاسة الخفيفة، وهي تقارب نوعاً ما الأعمال المهمّة في تجربة الجاز الشرقي العربي مثل فرقة «صابرين» الفلسطينية وبعض أعمال زياد الرحباني في هذا الإطار.
«ما هو جالي» تشبه كثيراً «تهليلات» الأطفال. ومع أنه ربما لم يكن المقصود ذلك خلال صناعة الاغنية، إلا أنَّ الجو العام (كلاماً وموسيقى) أسهم في ذلك. في الإطار نفسه، نجد الموسيقى منذ الدقيقة الأولى وصعوداً تتجه ناحية جوٍ مختلفٍ آخر، ويظهر الجهد الكبير المبذول في الأغنية؛ من دون أن ننسى أن الكلام الذي يحمل حزناً كثيراً.
أما «قمت نسيت»، فهي ذات جو غربي بامتياز، يذكرنا كثيراً بأجواء الموسيقى التي كانت سائدة في ستينيات القرن الماضي (الروك أند رول، الموتاون، والفانك). من يسمعها يتذكّر كثيراً أجواء تلك المرحلة، حتى أداء رلى بدا كذلك، والموسيقى ساهمت إلى حدٍ كبير (اضافةً للكلام) في خلق ذلك التأثير. ربما يمكن اعتبار هذه الأغنية نوعاً من التحية إلى تلك الحقبة التي قدّمت مجموعة من عباقرة الموسيقى العالميين.
كذلك، تشبه «مش مهم» مرحلة زمنية وإنّ كانت أكثر تقدّماً من الستينيات. تشعر بأن رلى تستعير صوتاً من نجمات العصور الأقدم، ويخدمها في ذلك صوت مرن ذو قدرات عالية. في الإطار عينه، يحاول زياد كثيراً التشريق في لحظاتٍ ما (في الدقيقة 1:12 وصعوداً مثلاً)، وتأتي الكلمات لتلعب دوراً في الحفاظ على الجو العام. في المحصلة، الأغنية متمردة وغير معتادة على الإطلاق.
على هامشٍ آخر، تأتي «مش عم بشتاقلك» التي يبدو في مقدمتها الموسيقية (أطول من سواها في الألبوم) أنّها تحاول تقديم شيء مختلف، وهو نفس ما تريد الأغنية قوله خصوصاً لناحية الكلام: «عم تخنقني وأنا ما فيي غير علي وطير». الفكرة ليست معادةً أبداً، والموسيقى كذلك، ويمكن ملاحظة حرفة سحّاب ومدني في هذه الأغنية كثيراً، إذ تبدو صنعة الموسيقى هنا في مستواها الأعلى.
«قمر» هي واحدة من مفاجآت الألبوم. الأغنية كتبها الشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الأبنودي، وكان زياد سحّاب قد لحنها في السابق وغناها في أكثر من مرّة، لكنه لم يضعها في أي ألبوم سابقاً. لذلك كان اصراره على إدراجها في الألبوم، وشارك رلى في الغناء فيها أصلاً، وطبعاً يظهر العود بوضوح في الأغنية.
ولأنَّ الأمور بخواتيهما، كانت خاتمة الألبوم الأغنية الجميلة «طلّع عيني». إنّها «الأغنية الشرقية الوحيدة في الألبوم؛ ولو أنّها لم تكن موجودة فيه، لكان الألبوم بحسب اعتقادي غربياً مئة بالمئة نظراً لأن معظم أغانيه ذات طابع غربي إلى حدٍ ما»؛ هكذا يشير زياد سحّاب إلى هذه الأغنية الحوارية التي تعد أجمل ما في الأسطوانة. تأتي الكلمات لتكمل الصورة الشرقية. صراعٌ وتضاد بين الأنوثة والذكورة «فهما يطلعان عين بعضهما»، وفي الوقت عينه يحبان بعضهما كثيراً. تأتي المحاورة كنوعٍ غنائي «منقرض» إلى حدٍ ما، إذ اختفى هذا النوع منذ سنين، لكن زياد سحّاب ورلى عازر (وجان مدني من خلفهما) يحاولان إعادته إلى الواجهة من خلال هذه الأغنية الجميلة.

إطلاق «يا ليالي»: 20:30 مساء اليوم ـــ «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت). للاستعلام: 03/888763

  • تغني رلى عازر باللبنانية والمصرية بعيداً عن فلسطينيتها المعتادة

    تغني رلى عازر باللبنانية والمصرية بعيداً عن فلسطينيتها المعتادة

0 تعليق

التعليقات