بالرغم من المصاعب المادية الكثيرة التي واجهها، يعود «مهرجان الفيلم اللبناني» في دورته الـ 12 على التوالي بعد نجاح حملة التمويل الجماعي على «زومال» ودعم المخرجين والأصدقاء، والجمهور، وأيضاً «سينما سيتي» حيث ستقام عروض الأفلام هذه السنة على حد تعبير المنظمين. وفي افتتاح المهرجان الذي يقدم أكثر من أربعين فيلماً لبنانياً بين وثائقي وروائي وتجريبي، ولو أنّ الغلبة للأفلام القصيرة، يعرض الليلة الفيلم القصير «صمت» (15 دقيقة ــ اليوم ــ س: 20:30 ــــ 31/5) للمخرج شادي عون الذي يشكل تجربة مهمة في سينما التحريك اللبنانية. برزت الأخيرة إلى الواجهة منذ فيلم «موج ٩٨» (سعفة «مهرجان كان» لأفضل فيلم قصير عام 2015) لإيلي داغر. يصوّر عون مدينة خيالية تدعى «غبرة» مع كل ما للاسم من رمزية قد تكون أقرب للخيال أو الواقع، حيث الصوت ممنوع وليس فقط الكلام، بل سائر ما تبقى من أصوات كالموسيقى أو حتى الضجة غير المقصودة. هو عالم معتم بالأسود والأبيض يأخذنا إليه المخرج حيث كل الوجوه بلا عيون جراء الأقنعة المتشابهة التي ترتديها، والجميع يعيش تحت قمع الديكتاتورية المتمثلة في جيش الوحوش المبرمجة التي تحكم المدينة. قد نجد فيها شبهاً مع سائر المدن العربية ولا تستثني منها بيروت التي نتعرف إليها أيضاً من خلال رسوم الغرافيتي المألوفة على الحيطان. يصوّر المخرج الديكتاتورية من بابها الأكثر رمزية ممثلاً بمفهوم الصمت، والقتل الرمزي للفرد وتغييبه قبل قتله فعلياً في حال تمرده. يتجسد ذلك في الفيلم عبر غياب الألوان، والتعابير، والموسيقى، وقمع نبض الحياة في الشارع. لكن بالرغم من سوداوية العالم الذي يصوّره المخرج، إلا أنه لا يخلو من حس السخرية والطرافة. مثلاً، نشاهد اليافطات المعلقة في الطرقات سواء التجارية أو تلك التي يروّج لها النظام الحاكم كدعاية «صابون الضمير، اغسل ضميرك من الشكوك»، أو «رشرش تنتعش» أو من يافطات البروباغندا السياسية: «أنتم تحتاجون إلينا» مع سيف مصوب نحو الشعب. التمرد في الفيلم يتجسد من خلال الألوان والموسيقى والرقص حين يلتقي البطل بمجموعة ليلية من الراقصين تعيده مرة أخرى إلى الحياة، قبل أن يتم القبض عليهم. خيال المخرج الاستنثائي يتبلور من خلال الجمالية السينمائية المشغولة باحترافية وبالكثير من الدقة في نسج التفاصيل، واللعب على التواتر بين الضوء والعتمة، والتناقض بين الأسود والأبيض والألوان والموسيقى التي تسيّر الفيلم وتتحاور عبرها الشخصيات. تظهر أيضاً خلفية المخرج الشغوف بالرقص الذي يحترفه، وإحساسه الفريد بالإيقاع. إلى جانب هذا الشريط، يعرض أيضاً في افتتاحية المهرجان وثائقي «حب وحرب على السطح» (42 دقيقة ـــ اليوم بعد عرض «صمت») من إنتاج جمعية «مارش». يصوّر العمل شباباً من جبل محسن وباب التبانة شاركوا في المواجهات الدامية، وها هم يعملون سوية على إخراج مسرحية تروي ما حدث.
ينتقد ميشال زرازير النظام الذكوري المسيطر على الكنيسة كما المجتمع

أيضاً من الأعمال الوثائقية القصيرة الملفتة «لبنان يربح كأس العالم» (23 دقيقة ــ 1/6 ـــ س:18:30) للمخرج طوني الخوري وأنطوني لبيه، الذي فاز بجائزة أفضل وثائقي قصير في «مهرجان وارسو السينمائي» في بولندا وأيضاً في «مهرجان سانتا بابرا السينمائي» العالمي (الاخبار 14/3/2016). في إطار من الطرافة وجمالية سينمائية خاصة، يعود الفيلم إلى الحرب الأهلية اللبنانية من خلال قصة رجلين شاركا فيها، كل من جبهته المتناحرة مع الأخرى، وكلاهما يحب الفوتبول. يروي أحدهما حين صودف توقيت كأس العالم مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢، وكيف كان مصراً حينها على إيجاد وسيلة لمشاهدة المباراة النهائية، فجلب جهاز التلفاز، واستحدث هو ورفيقه وسيلة لوصله بالكهرباء، وشاهدا الماتش مباشرة من جبهة القتال. يقول ضاحكاً إنّه حتى القصف الإسرائيلي توقف حينها، فلا بد من أنهم كانوا أيضاً يشاهدون المباراة. لا يمنع أنه بعد كل هذا الضحك، يصف كيف أصيب مباشرة بعد انتهاء المباراة ونقل إلى المستشفى. يتلاقى الرجلان في النهاية حول شغفهما المشترك كرة القدم، حيث يجلسان يشاهدان المباراة سوية، ويسكتشفان الماضي كل من زاويته التي تؤول إلى نتيجة واحدة هي: عدم جدوى كل الحرب. ينجح الفيلم في سرد رواية الحرب اللبنانية من زاوية أكثر حميمية وإنسانية، مما يساعد في تفكيها وتبسيطها، إلى جانب مشهد استثنائي في جماليته السينمائية المرسومة ببراعة أشبه بلوحة، إذ نرى البطل المقاتل السابق وهو يستعد للغطس، ويظل يردد: «لما أسبح أنسى كل شيء»، في حين نرى خيال البطل، وقرص الشمس المتوهج فوق رأسه، والكاميرا في الاسفل التي تتهادى كما الموج في انتظار كأنما أن يقفز داخلها. أيضاً من الأفلام القصيرة الجميلة التي تستحق المشاهدة «تحت الأثواب» (20 دقيقة ــ 1/6 ــ س:20:00) لميشال زرازير الذي يصوّر عالم الراهبات في أحد أديرة لبنان، في إطار من حس السخرية اللاذع والذكي الذي يتميز به الحوار، إلى جانب اللغة السينمائية. من خلال قصة اللغم الذي يدوس عليه المطران، والراهبات الحائرات بين إنقاذه أو تركه بمفرده ليلقى مصيره، ينتقد المخرج النظام الذكوري المسيطر على الكنيسة كما المجتمع ككل. أما من ناحية الأفلام الوثائقية الطويلة التي تتمتع بلغة سينمائية شديدة الخصوصية، فنتوقف عند فيلم «جغرافيا» (71 دقيقة ــ 1/6 ــ س:18:30) للمخرجة اللبنانية شاغيك أرزومانيان. تتناول الأخيرة مفهوم الانتماء من خلال قصة عائلة أرمنية ورحلة هجرتها التي تمتد على حوالى قرن ضمن لغة سينمائية تشبه المقاطع الشعرية في جماليتها وتجريبيتها. هكذا، تلتقط صوت الأماكن المهجورة، موسيقى الرحيل التي تنقل المشاهد من مشهد ومن زمن إلى آخر، فيما حضور الشخصيات هو دائماً كأطياف عابرة تحمل حنينها الذي يشابه في خفته وحزنه الريح. أيضاً، يعرض الفيلم الطريف «مبروك» (21 دقيقة ــ 31/5 ــ س:18:30) للمخرجة سينتيا صوما من بطولة الممثلة جوليا قصار وعايدة صبرا، وفيلم «لقطة عكسية ــ يوميات صراع» (27 دقيقة ـــ 31/5 ــ س: 18:30) لمي قاسم التي تعرض فيه مقتطفات من يوميات الحراك الشعبي. وفي فئة الأفلام الوثائقية الطويلة، «هدنة» (66 دقيقة ــ 2/6 ـــ س: 18:30) لميريام الحاج التي ترسم فيه بورتريه لعمها رياض الذي شارك في الحرب الأهلية، وتقاعد بعدها ليستبدلها بهواية الصيد! إلى جانب ذلك، يعرض فيلم «الطريق» (98 دقيقة ــ 31/5 ــ س:20:00) لرنا سالم، و«مرسل من السماء» (70 دقيقة ـــ 2/6 ــ س:21:30) لوسام شرف، و«إذهب إلى المنزل» (98 دقيقة ــ 3/6 ــ س:21:00) لجيهان شعيب الذي يختتم به المهرجان، والعديد من الأفلام الأخرى.

«مهرجان الفيلم اللبناني»: بدءاً من اليوم حتى 3 حزيران (يونيو) ـــــ «سينما سيتي» (أسواق بيروت) ـــ lebanesefilmfestival.org