كارول منصور: هؤلاء هم المحاربون الحقيقيون

  • 0
  • ض
  • ض

بعد فيلمها الأخير «لا سبيل إلى العودة الآن يا صديقي» (2014) الذي يصور معاناة اللاجئ الفلسطيني السوري ورحلة تهجيره على مدى عقد من الزمن، وقبله «نحن مو هيك» عن اللاجئات السوريات في لبنان، اتجهت المخرجة كارول منصور في فيلمها الجديدIt's Just Another Place «هو فقط مكان آخر» إلى موضوع أكثر حميمية، وإن لم يكن أقل أهمية أو جدلية. عملها الذي عرض قبل أيام في «مسرح المدينة»، يقارب الاطفال المصابين بمتلازمة داون في لبنان. عبر مساحة الشريط الذي يمتد على حوالى ساعة من الزمن، تعرض المخرجة مقابلات مع أهالي الأطفال المصابين بمتلازمة داون، ومقتطفات من حياتهم اليومية، حيث يصف الأهل مشاعرهم لدى اكتشاف إصابة طفلهم بمتلازمة داون، والمراحل المختلفة التي مروا بها بدءاً من الصدمة والهلع، والنكران أحياناً، إلى حين تقبل الأمر.

فيلم يشرح بدقة وضع الطفل أو الراشد المصاب بمتلازمة داون
يفصل الأهل حياة الطفل المصاب بمتلازمة داون. من خلال الفيلم، نكتشف أنّه لا يقتصر على اختلاف في الشكل فقط أو النمو العقلي للطفل، بل على صحته وحركته الجسدية أيضاً. منذ الولادة، يحتاج هذا الطفل إلى تمارين خاصة لصقل عضلاته التي هي أضعف، حتى عضلة القلب، وسائر الأعضاء الأخرى. حتى إنّ بعضهم يحتاج إلى عمليات جراحية متتالية منذ الولادة. هذا ما تقوله إحدى الأمهات، مشيرة إلى أنّ طفولة ابنها كانت مقسمة بين المستشفى والتعليم والتمارين الخاصة المكثفة الضرورية لصقل مهارات هؤلاء الاطفال. هي معاناة رهيبة لكنها أيضاً حرب يخوضها الطفل وأهله سوية لهزم التداعيات الصحية المختلفة المرتبطة بمتلازمة داون، وتقديم أفضل ما عنده. يضطر الطفل المصاب بمتلازمة داون أحياناً لبذل مجهود جبار من أجل تنفيذ أبسط الأفعال كالكلام. هذا يعود إلى بنية لسانه المختلفة، فتخرج الحروف من فمه ثقيلة وغير مفهومة. يرى المشاهد أيضاً الإنجازات التي حققها هؤلاء الاطفال رغم كل العوائق. مثلاً، نجحت إحدى الفتيات في الحصول على وظيفة ثابتة وآخر بات رياضياً محترفاً وربح الكثير من الميداليات. بالإضافة إلى ذلك، يرسم الشريط لوحات مدهشة، فهؤلاء لا تصح تسميتهم لا بالمرضى ولا حتى بالمختلفين. هؤلاء هم محاربون أشداء استحقوا كل معرفة اكتسبوها بعد معاناة طويلة. لكنهم بالفعل مختلفون عن غيرهم. اختلاف لا يمكن تصنيفه بالسلبي أو الإيجابي، من حيث مقاربتهم للحياة، كما براءة الأسئلة التي قد يطرحونها أو بساطتها، أو تعبيرهم عن مشاعرهم بطريقة مباشرة وصريحة، وباقي الصفات التي ننعتها بالطفولية لأننا اضطررنا للتخلي عنها للاندماج في عالم الكبار. نشاهد الأخت التي تتحدث عن أختها المصابة بمتلازمة داون. تشعر بحزنها وتواسيها من دون أن تسأل عن سببه. المواساة التي يتمنى كل حزين تلقيها من غير ارهاقه بالأسئلة غير المجدية. الفيلم يشرح بدقة وضع الطفل أو الراشد المصاب بمتلازمة داون، وظروف حياته ودور الأهل والمجتمع في حمايته وتدريبه وتشجيعه على الاستقلالية في آن عبر مقابلات مصورة مع الأهل تشكّل نقطة ارتكازه في أغلب المقاطع من دون اعتماد أساليب أخرى في السرد السينمائي. حبذا لو أعطت المخرجة مساحة أكبر للمراهقين أو البالغين المصابين بمتلازمة داون للتعبير عن أنفسهم، وإثبات حضورهم المستقل. وددنا رؤية حياتهم من وجهة نظرهم رغم صعوبات التواصل المباشر معهم التي ربما حالت دون ذلك.

0 تعليق

التعليقات