خلال الأيام الثلاثين الأخيرة، أصبح رجل الأعمال المصري أحمد أبو هشيمة (1975) الاسم الأكثر تأثيراً في سوق الميديا، بشكل جعل كثيرين يربطون المستقبل القريب للصناعة بما سيفعله نجمها الجديد صاحب مصانع الحديد. لم يتوقّف أبو هشيمة طويلاً عند مرحلة زواجه من هيفا وهبي ثم انفصاله عنها (2009/2012)، صحيح أن هذا الارتباط حقّق له الشهرة المُبكرة في الوسط الصحافي والفني، لكنه لم يعتمد عليه في مشواره نحو الترقّي السريع والمؤثر في عالم المال والأعمال. يمكن القول بدون مبالغة، إنّ أخباره في الصحافة اليوم تفوق أخبار وهبي بأشواط من حيث الكمّ والتأثير. أبو هشيمة أفلت أيضاً من مطبات عدة كان من الممكن أن تقضي على مشواره في مجال الـ «بيزنس» عندما حسبه بعضهم لفترة قريباً من جماعة الإخوان خلال فترة حكمها لمصر. كذلك، اعتبره بعضهم شريكاً للرأس المال القطري في المحروسة. والمعروف أن السياسة القطرية يواجهها المصريون بنفور كبير بسبب دعم الدوحة للإخوان. كل ذلك لم يعطّل مشاريع رجل الأعمال الذي دعم بقوة النظام المصري الحالي، مكتفياً لفترة بالدعم السياسي عن طريق تمويل حزب «مستقبل وطن» الذي يترأسه محمد بدران وهو قريب من الرئيس عبد الفتاح السيسي. لكن أبو هشيمة لم يبق طويلاً في مساحة الداعم. قرّر أخيراً النزول إلى الملعب والاستحواذ على قطاعات كبيرة في سوق الميديا المصرية التي تشهد تغييرات جذرية هذه الأيام. «سوق الميديا» مصطلح يطلق على ثلاثة قطاعات أساسية هي: التلفزيون الحكومي، ومحطاته الإذاعية والصحف التابعة للدولة، والقنوات التلفزيونية الخاصة وهي 5 شبكات رئيسية، إلى جانب قنوات منفردة يشهد تأثيرها تراجعاً، إضافة إلى الصحف والمواقع الإلكترونية الخاصة.
صفقات شراء لقنوات تلفزيونية وصحف وشركات إنتاج سينمائية ودرامية
استحوذ رجل الأعمال باكراً على نصيب الأسد في أسهم جريدة «اليوم السابع»، وقيل لفترة إنّه يمتلك أسهماً في شبكة تلفزيون «النهار»، قبل نفي تلك المعلومة أخيراً. لكن بمجرّد انتشار صورته وهو يوقع عقد شراء شبكة «أون. تي. في» مع مالكها نجيب ساويري، أصبح أبو هشيمة ملء السمع والبصر. نجح في الاستحواذ على الشبكة الإخبارية السياسية الخاصة الوحيدة في مصر، وقرّر تحويلها إلى شبكة عامة تهتم أكثر بالترفيه وبرامج المنوعات والدراما. وعلى الفور، انطلقت شائعات تنسب لأبو هشيمة شراء صحف وقنوات أخرى مثل جريدة «صوت الأمة» الأسبوعية، وشبكة تلفزيون «الحياة»، لكن مكتبه الإعلامي نفى الخبرين. وقبل أن يقوم رجل الأعمال بزيارته الأولى إلى شبكة «أون. تي. في»، كان قد استحوذ على 51 % من شركة «برزنتيشن» المالكة لحق عرض مباريات الدوري المصري. ومع أوّل أيام رمضان، أعلن استحواذه على 50 % من أسهم شركة «مصر للسينما» لمالكها كامل أبو علي، ليدخل مجال الإنتاج السينمائي، فيما تتولى شركة «سينرجي وايت» الوكيل الإعلاني الجديد لـ «أون.تي.في» الإنتاج الدرامي. باختصار، يدشّن أبو هشيمة إمبراطورية إعلامية ذات أذرع تضرب في كل مواقع السوق، ليطرح أسئلة عديدة لا تزال تنتظر إجابات سيحين وقتها قريباً: هل يموّل أبو هشيمة كل الصفقات بشخصه أم أنّه شراء غير مُعلن نيابة عن أشخاص وجهات سواء من داخل مصر أم خارجها؟ والأهمّ هل استبقت عمليات الشراء دراسات جدوى حقيقية تضمن أنّ الجمهور سيظلّ متابعاً لتلك الوسائل الإعلامية، ويخرج من نوافذ الدراما والسينما إنتاج يجذب الجمهور الذي يشكو دائماً من إعلام بلده الذي لا يوفّر متطلباته؟ على المستوى السياسي، يسود الصوت الواحد في أغلب الأوقات. أما على المستوى الفنّي، فإنّ الأعمال المتميّزة تخرج بطريقة الصدفة بدون خطة واضحة، مما جعل بعضهم يعود مجدداً لمتابعة الفضائيات العربية. هنا يكمن التحدّي أمام أبو هشيمة واللاعبين في السوق الإعلامي: هل سيكتفون بإبعاد الوجوه المثيرة للجدل والاستعانة بأهل الثقة، خاصة في مجال البرامج السياسية، أم يقدّمون محتوى يمزج بين الحرص على استقرار مصر والابتعاد عن الإثارة السياسية والمهنية؟ تلك الإثارة التي تجعل الجمهور يتابع الشاشات المصرية من دون أن يُجبره مضمونها على الذهاب بعيداً كما كان يحدث قبل «ثورة 25 يناير».