برع محمود نصر بأدائه رغم أنه لا يحظى بربع البروباغندا التي تثار حول النجوم عادةيبدو المسلسل منفصلاً كلياً في جزءيه، فلو حُجب الجزء الثاني المقحم على أصل الحكاية بداعي مواكبة الزلزال السوري المدمّر، لما تأثر المشاهد، وربما تفاعل أكثر مع القصة الأصلية، خصوصاً أنّ الجزء الأول من العمل يبنى بطريقة متصاعدة، تمكّن الرواية من الوصول إلى ذروة خواتيمها من دون حاجة إلى زمن مضاف. في المقابل، يخلّف الزمن الثاني حالة ملل واضحة، بسبب غياب الدراما واقتصار الحدث على استعارة تعليقات الكاتب الفايسبوكية، وتسجيله العابر والبسيط ليوميات المدينة، وهي تعيش تحت وطأة القذائف، ومن ثم تعميم خاطئ لهذه الحالة طيلة فترة المسلسل، مع تراجع التصنيع الدرامي، وغياب التفاصيل المشوقة في هذه المرحلة، إلا باستثناءات قليلة ذات علاقة بالفتاة التي تهتدي إلى عشق الكاتب، عساها تحارب وحشة ليالي الأزمة المعتمة (تؤدي الدور ببراعة جفرا يونس ــــ الأخبار 22/6/2013)، وطليقته مرام علي وزوجها الجديد، ومصادفة لقائه بفتاة صغيرة يعود ويجتمع بها بعدما اشتد عودها وأصبحت صبيّة جميلة. وحتى الآن، لم نلمح مزجاً بين واقع يحاصر دمشق، ومشاهد ملتقطة من وجع يومياتها، بلغة تقع ما بين الوثائقي والدرامي بحسب وعود صنّاع العمل لنا أثناء تصويره!
مع ذلك، يحقق «الندم» نجاحاً جماهيراً، واستحساناً واضحاً لدى من يتابعه. وإذا ما قيس ببقية المسلسلات السورية هذا العام، سيحتل فعلاً الصدارة، مستفيداً من الضبط الواضح لجميع الممثلين، وظهورهم بصورة مختلفة عما سبق أن قدّموه. سلّوم حداد يعرف كيف يصيغ حالة متقنة لتاجر اللحوم الجبّار الذي يقود حياته وتجارته وبيته بصوته العالي وزنده. كذلك، يبدي مهارة في سبك الانكسار بعد أن يوجّه له القدر ضربات متتالية أشدّها وطأة رحيل زوجته ورفيقة دربه، ومهندسة حياته الشخصية، ثم اشتداد علامات الشيخوخة عليه. من جهته، يستعير باسم ياخور من تراكماته ومخزونه الوافي، ليلمع كعادته بشخصية الوصولي الانتهازي الصاغر لأوامر أبيه، المستسلم لطاعته العمياء لكن على مضض، كونه يتحيّن بفارغ الصبر زمن ضعفه ليقطف كل ما زرعه طيلة دربه من دون التفكير لوهلة في حق أخوته. وينجح أحمد الأحمد في شد البساط نحوه كلما ظهر أمام الكاميرا، كأنه حقيقة شخص تحالفت عليه تعقيدات خلّفتها مشاكله مع والده. كل ذلك تمهيد لموقف محمود نصر بطل المسلسل الذي يقدّم هنا دليلاً قاطعاً على قدرته بأن يكون بطلاً مطلقاً يتمكّن من شد المشاهد إلى أدائه طيلة ثلاثين حلقة، رغم أنه لا يحظى بربع البروباغندا التي تثار حول النجوم عادة. بدراسة وافية، يجيد نصر لعب الزمنين لـ «عروة»، ويتمكّن من جذب طرفي المعادلة، رغم الملل المسيطر على شقّها الثاني، لكنه يحمي أداءه من رتابة النص هنا، ويخلق الإقناع اللازم بكل ما يفعله. تبقى هالة «النبوّة» التي تحيط بالشخصية كونها مزيجاً من حكمة، وهدوء، ورصانة، وأدب، وكرم مدهش، وعلاقة وطيدة بكل النساء اللواتي يعرفهن، بمن فيهن أمّه وأخته، وحورات عميقة حتى مع المتسولين والعابرين صدفة في طريقه. كل ما سبق تجعل أسهم الشخصية في تراجع، لكن بجهود واضحة للممثل السوري يعود عروة إلى بشرّيته، ويتوّه مشاهديه بذكاء عن الملائكية المبالغ فيها التي تسم عوالمه كما كتب على الورق. في الخلاصة يمكن القول بأنّه لو هيّأ لمخرج «الندم» وممثليه، تماسك ونضوج على مستوى القسم الثاني من الحكاية، لكانت النتائج مرضية أكثر بأشواط مما هي عليه الآن.
*«الندم»: 1:00 على «سورية دراما» ــ 23:00 على قناة «تلاقي» ــ 17:00 على «الجديد»