ألفريد طرزي يستخرج التاريخ من صناديق أبيه

  • 0
  • ض
  • ض

هناك صوت يخرج من سقف المعرض، ينقل إلينا أحاديث وخطابات سياسيين لبنانيين يتسابقون على تحديد مفهوم الهوية اللبنانية. إنها أجزاء من مقتطفات سجلها والد ألفريد طرزي (1980) من إذاعات لبنانية مختلفة بين 1975 و1984. داوم الأب المسيحي خلال الحرب الأهلية في محله لقطع الأنتيكا في بيروت الغربية. كان الحرفي يقضي آنذاك وقتاً طويلاً في وسط البلد، يصنع ثريات نحاسية. بعد فترة من الزمن، ستتخذ هذه الثريات زاوية في معرض «نصب الغبار» لألفريد طرزي، الذي يحتضنه «المعهد الفرنسي» (طريق الشام ــ بيروت) حالياً. نجا الوالد في ذلك الوقت من الحرب، ثم بعد 15 عاماً على انتهائها، نجا مجدداً من حادثة اغتيال رفيق الحريري، حيث كان موجوداً في موقع الجريمة. في إحدى العلب العتيقة، تختلط الرصاصات الفارغة التي كان يجمعها ألفريد الطفل خلال الحرب الأهلية، مع تلك التي جمعها خلال أحداث 7 أيار عام 2008. تكرارات وتقاطعات كهذه، ستلاحقنا طوال المعرض. «هل التاريخ يعيد نفسه كما يردد دائماً؟» يتساءل ألفريد طرزي. أمام استحالة توحيد التاريخ، يتمحور طرح الفنان اللبناني حول محاكاة التاريخ والأحداث الكبيرة من خلال استعادة تاريخ عائلته وما ورثه منها. وللقيام بهذه المهمة، يستعير مهنتي والده وأجداده الحرفيين، وأمه عالمة الآثار. الفنان اللبناني لا يزال يملك أدوات كثيرة لاستثارة تاريخ الحرب الأهلية اللبنانية، الذي لم ينه العمل عليه حتى الآن. يحاول أن يكون مؤرخ سيرة عائلته التي تسير بمحاذاة مسيرة التاريخ الهائل، بينما ترزح تحت سلطة الأحداث العالمية والمحلية، رغم أنها لم تطل العائلة بشكل مباشر، كما حصل مع أحد أعمام صديق ألفريد. منذ ذلك الوقت، بدأ أخو هذا العم بتجميع كل ما يقع أمامه من الصحف والمجلات لمحاولة فهم مقتل أخيه. معظم هذا الأرشيف نراه على شكل صناديق ومحفظات سوداء. في صالة العرض في "المعهد الفرنسي"، تتوزع بعض الأغراض الشخصية والعائلية للفنان الذي وجد بحوزته فجأة إرثاً كبيراً من والديه. يزيد هذا الميراث من ثقل الذاكرة التي تشبه سجناً شخصياً.

توثيق سياسي ومديني لأحداث عالمية ومحلية
ونتأكد أن الفنان أراد التخلص من سطوته عبر تفريغ ذاكرته. ومعظمها من الذكريات التي لا يجرؤ أحدنا على استذكارها مع نفسه. هكذا قرر أن يفلش تاريخه الشخصي، كمساهمة في محاولة بناء تاريخ معين. من خلال كل ذلك، يطمح الفنان أولاً إلى ملء فجوات التاريخ الناتجة من انقطاع التواصل بين الأجيال. هكذا يحاول فهم التواريخ الكبيرة التي تتحكم بمصيره ومن دون أن يعرف شيئاً عنها. أحد هذه الأحداث هو مجازر عام 1860 في سوريا. يعيدنا إلى ذلك التاريخ في نص يحمل عنوان «المتحول جنسياً». آنذاك، تنكر ديمتري أحد أجداد ألفريد بثياب امرأة هرباً من المجازر في سوريا، لينتقل للعيش في لبنان. كتب وصناديق ومجسمات خشبية كبيرة وعلب حليب "نيدو" صدئة، وألعاب وصور وألبومات ورصاص، ورسومات وتحف. النظر إلى الأغراض المعروضة يشبه التلصص. وإذ نتأكد أنها أغراض شخصية، لا يسعنا أن نتعرف إلى الرابط أو كيفية انتقائها من دون اللجوء إلى النصوص التي كتبها ألفريد باللغة الإنكليزية. تتوزع قصاصات الورق على زوايا المعرض والأغراض. تحت عناوين محددة، يحكي كل فصل منها قصة أو لمحة من ذاكرة الفنان، أو من تجربة أهله وأجداده، التي تتقاطع مع ذاكرة المدينة والمنطقة والحرب. هكذا احتفظ بحذاء نجاة والده، وقفازيه الأحمرين اللذين كان يخوض بهما معاركه الداخلية، وأحاديثه المجهضة مع والدته، وصراعات والديه، وحروبه الصغيرة مع رفاقه في ملعب المدرسة. كل ذلك يرافقه توثيق سياسي ومديني لأحداث عالمية ومحلية مثل 7 أيار، وإعادة الإعمار، والزيتونة باي واغتيال رفيق الحريري. «كن ما أنت عليه» يقول الشاعر الإغريقي بيندار. وفي محاكاته لهذه المقولة، يكتب طرزي "جوابي لأحجية بيندار يكمن تحت الغبار الذي يغطي كل تلك الأغراض"، التي نشاهدها في المعرض. لا يكتفي الفنان اللبناني بهذا، بل يصلنا بتاريخ إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920. طلب من أحد أجداده الحرفيين حينها صنع باب لـ«قصر الصنوبر»، علماً بأن القصر كان كازينو بناه ألفرد سرسق، قبل أن تضع السفارة الفرنسية يدها عليه حتى اليوم لتحوله إلى كازينو آخر للمقامرة بالقرارات. * «نصب الغبار» لألفريد طرزي: حتى 5 ديسمبر ـــ «المعهد الفرنسي» (طريق الشام ــ بيروت) ــ للاستعلام: 01/420234

  • من المعرض (ميريام بولس)

    من المعرض (ميريام بولس)

0 تعليق

التعليقات