الفنانون الحقيقيون هم الذين يتحلّون بالتواضع ويكونون في خدمة بعضهم من دون عقد. قد لا يكون ما يقدّمونه عظيماً، لكنهم لمجرّد أن يضعوا أعمالهم جانباً للمساهمة في نشر أعمال زملائهم، فهم يفرضون بذلك الاحترام والتقدير. هذه هي حال المغني الفرنسي العتيق ماكسيم لوفورستييه الذي تستضيفه «مهرجانات بيبلوس الدولية» هذه السنة في أمسية (28 تموز/يوليو) يؤدي خلالها أعمال زميله الفرنسي، عملاق الأغنية المبنية على النص أولاً، الراحل جورج براسنس (1921 — 1981). هذا ليس جديداً على فورستييه الذي كرّس سنوات من حياته لتسجيل الأعمال الكاملة للرجل الذي يصفه بأنه «طعمٌ ضد الحماقة».إذاً في أمسية يندر أن تحصل في المهرجانات السياحية، لأن فيها تحديات لغوية للعقل لمن يفهم الفرنسية، تقدّم «بيبلوس» هدية لمحبّي أحد أكبر رموز الأغنية الفرنسية في القرن العشرين بصوت واحد من رموز هذه الأغنية في الستينيات والسبعينيات. ماكسيم لوفورستييه يغنّي من الريبرتوار الضخم كماً ونوعاً الذي تركه جورج براسنس. ريبرتوار مبنيّ أولاً على الكلمة، ثم على اللحن السلس والسهل والجميل، ثم على الأداء الثابت الذي يترك للأدب مهمّة التعبير عن جميع الحالات الممكنة من السخرية إلى الحب والصداقة والسياسة. كتب براسنس عشرات الأغنيات وأداها بمرافقة موسيقية بسيطة، غالباً مرافقاً نفسه على الغيتار، وبأسلوب لا نعرف إن كان يصح القول إنه أسلوب «موضوعي»، بمعنى أنه كان يوكل إلى اللحن حَمل الكلمة ويوكل للكلمة نقل الأفكار ما يمتع الأذن والعقل معاً.
ماكسيم لوفورستييه المولود عام 1949، يعتبر براسنس مثاله الأعلى. هو المغني اليساري الذي انطلقت مسيرته عام 1968 بالتزامن مع الثورة الطلابية في فرنسا. ناصر لوفورستييه القضايا المحقّة حول العالم وناهض الأنظمة الديكتاتورية العسكرية. إنه من فئة زميله في الأغنية والهم الاجتماعي جورج موستاكي والأغنية التي تؤدى بحب مع مرافقة على الغيتار، وهي الأغنية التي ألهمت فناني اليسار والأغنية الملتزمة في لبنان، فبنوا تجاربهم على منوالها قلباً وروحاً، وعلى رأس هؤلاء الفنان خالد الهبر.
لوفورستييه ليس غزير الإنتاج وبالأخص منذ التسعينيات. آخر ألبوم أصدره يعود إلى عام 2013 وهو بعنوان Le cadeau. علماً أنه لا يزال ناشطاً في تقديم الحفلات في فرنسا وحول العالم، وغالباً ما يطعّم برنامجه بأغنيات جورج براسنس، الذي يكرّس له أمسيته المرتقبة على شاطئ جبيل.