قبل عامين، فتحت بعض المنابر الإعلامية اللبنانية موسم تبييض صفحات عملاء إسرائيل. دشّنت mtv الموسم ضمن برنامج «تحقيق» (إعداد وتقديم كلود أبو ناضر هندي) في أيلول (سبتمبر) عام 2014، مع العميل زياد حمصي. في تلك الحلقة، صوّر حمصي المتهم بالعمالة لإسرائيل كبطل قومي، ألصقت به التهم «جزافاً» و«زوراً». بعدها بشهر تحديداً، خرج فايز كرم في حلقة «بلا تشفير» على «الجديد». كرم الذي قضى محكوميته بتهمة الاتصال مع العدو الصهيوني، قُدم كصاحب تاريخ عريق في «النضال»، و«التضحية» ورمز «للتمرد» في «زمن الوصاية السورية» كما كرر تمام بليق طوال الحلقة. هاتان الحلقتان لم تأتيا عبثاً، بل تندرجان ضمن سياق تمهيد أرضية لتبييض صور العملاء الذين كانوا في خدمة العدو الصهيوني استخبارياً ولوجستياً، فيما كانت «إسرائيل» تجزّر باللبنانيين، وتحتل أراضيهم، وتقصف بناهم التحتية والحيوية. هذه الأرضية التسويقية الإعلامية ليست منفصلة أبداً عن السياق السياسي والقضائي الذي مهّد بممارساته لاعتبار العداوة مع «إسرائيل» وجهة نظر. واليوم، وصل الأمر إلى الذروة مع الدعوى التي رفعها العميل فايز كرم بحق الزميل حسن عليق، على خلفية منشور فايسبوكي للأخير يدعو فيه إلى الاقتصاص من العملاء ومحاكمتهم. كانت صورة سريالية بامتياز، مع تحرك القضاء بناءً على شكوى كرم، وإصداره مذكرة غيابية بحق عليق، فيما لم يفتح أحد فاهُ قضائياً، أو صحافياً، بحق الحلقتين السابقتين المذكورتين آنفاً وغيرهما من الأمثلة العديدة التي انتهك فيها الإعلام اللبناني القانون وروّج للعدو الصهيوني.مع صدور هذه المذكرة القضائية التي استجاب لها قاضي التحقيق في بيروت فريد عجيب أول من أمس، احتل هاشتاغ: «#حسن_عليق» الصدارة على تويتر. مجموعة ناشطين أعادوا نشر خبر المذكرة، وأبدوا امتعاضهم واستغرابهم من بلد هزم بمقاومته «إسرائيل»، وها هو جسمه القضائي ينصاع اليوم إلى عميل محكوم. إلى جانب هذا الهاشتاغ، تفاوت التعاطي الإعلامي مع هذه القضية. قنوات كانت واضحة في رسالتها عبر تبيان الوجه الأساسي لهذه القضية، والسخرية منها اليوم، أكان في التقارير أم التعليق في الاستوديو، وقنوات أخرى، فضّلت أن تتلطى خلف الجدار، وتصبغ نفسها برداء الموضوعية والبرودة. وحدها، otv ظلّت تغرّد خارج السرب، منحازةً كلياً إلى العميل فايز كرم.
في نشرتها المسائية أول من أمس، أعادت قناة «الجديد» التذكير باعترافات كرم، والتهم الموجهة إليه، وعنونت تقريرها (إعداد جويل الحاج موسى) «فايز كرم يلاحق حسن عليق: إن لم تستحِ فافعل ما شئت». تقرير يلقي الضوء على المحاكمات التي تحصل للصحافيين بناءً على آراء يدلون بها، فكيف إذا كانت هذه الآراء افتراضية والشخص المدعي «متهماً بالعمالة لإسرائيل»؟! وفيما اكتفت «المنار» بإجراء اتصال هاتفي مع عليق تعليقاً على هذه القضية، برزت برودة لافتة من lbci في التعاطي مع هذه الدعوى. تقرير لمراسلها مارون ناصيف، فند ما جاء في نص هذه الدعوى، وخصّص مساحة معتبرة لمحامية كرم ماري زكا من دون اتخاذ أي مساحة نقدية. زكا حيّت القاضي عجيب على «جرأته»، وأكدت أن «كرم مواطن لبناني» يحق له أن يحظى «بحصانة قضائية»، وأن ما حدث يندرج ضمن «التعدي على الكرامة»!
وبينما غابت mtv عن هذه القضية جملة وتفصيلاً، وضعت otv ثقلها ضمن خطاب غريب عجيب، يدافع عن كرم، وينتظر من الجهة المدعية «إحقاق العدالة». لم تستحِ القناة البرتقالية، لا في تقديمها لهذا الخبر (تقديم ريتا نصور)، ولا في تقريرها الذي أعدّه جورج عقل، في تظهير العميل كرم على أنه بطل من لبنان، وأن ما حصل مسّ «بكرامته» وسمعته. هكذا بدأ التقرير بصور أرشيفية تظهر كرم محمولاً على الأكتاف وعلى رأسه تتناثر الورود والأرز. صور تعود إلى تاريخ خروج كرم من السجن بعدما خُفضت محكوميته من 3 سنوات إلى اثنتين. وبنفس خطابي جهوري، أتحفنا عقل بعباراته الرنانة التي تدمع العيون «تمسك العميد المتقاعد فايز كرم في محاسبة من يطال كرامته»، مع التنويه بفحوى الدعوى المقامة التي تنقسم إلى شقين ضمن باب الجنايات (التحريض على القتل)، وأيضاً الجنح (قدح وذم) وبث نوع من الترهيب. طبعاً، كان لمحامية كرم الحصة الأكبر في الدفاع عنه وتبيانه بصورة ناصعة كأنه لم يتصل في حياته بإسرائيل. هكذا، أسقطت otv من دفاترها، تاريخ العميل كرم، واختصرت القضية بصورة مجتزأة تبين أن الزميل عليق مسّ بكرامة العميد العميل، ووجبت محاكمته ومحاسبته قضائياً.
ولعل النقطة المضيئة في كل هذا الخبث والتواطؤ الإعلامي مع كرم، مقال الزميلة في صحيفة «السفير» لينا فخر الدين الذي نشر أمس تحت عنوان «فعلها فايز كرم: حسن عليق «مجرم»». مقال تدين فيه الكاتبة هذه المجاهرة في الدفاع عن العملاء والقضاة الذين ينصاعون لأحكام هؤلاء، ويفتحون أبواب السجون للعملاء للخروج بعد أحكام مخففة. يعيد المقال توجيه البوصلة إلى النقاش الأساس: أصبح حسن عليق «مجرماً» و«فاراً من وجه العدالة» فيما كرم طليق في الخارج «يقهقه كاسك» هكذا أنهت فخر الدين مقالتها الصحافية. في هذا السياق، دعا «المنتدى الإعلامي» في لبنان، إلى وقفة تضامنية مع عليق وصحيفة «الأخبار» يوم الثلاثاء المقبل أمام مكاتب الصحيفة في «كونكورد» (17:00) كي «لا تصبح العمالة وجهة نظر»!