من السماء، وعبر الصور الجوية الخلابة (تصوير مهدي سكافي/ تقنية الفانتوم)، تبدو بيروت كعروس جميلة وهادئة. وعندما تهبط الكاميرا إلى الأرض، تتشعب الحكايا والمآسي. في وثائقي «خندق 56» للزميل رضوان مرتضى (إنتاج شركة Blue House Film Production) الذي سيُعرض الليلة على خشبة «مسرح المدينة»، يجتمع شارع الخندق الغميق مع منطقة الطريق الجديدة المرمّزة عقارياً برقم 56.تنزل كاميرات الفريق (عيسى صليبي، وأديب فرحات، ومحمد بشير، وأحمد بزي، ومحمد كمال الدين) إلى هاتين البقعتين، لنشاهد 25 شاباً وشابة من أبنائهما، تراوح أعمارهم بين 17 و29 عاماً، خضعوا لتدريبات على الإعداد (نانسي رزوق)، والتصوير، والمونتاج، ليساهموا في صناعة هذا العمل.
إذاً، تضيع الخلطة هنا بين محترف وهاوٍ. يؤكد مرتضى أنّه تعمّد دمج هذين الجناحين انطلاقاً من مبدأ عمله في Blue House، ليُصار إلى تنفيذ «عمل محترف، وتخريج فريق يملك إمكانات». أدلى هؤلاء الشباب بشهادات عفوية وحقيقية، من دون «روتوش». مبدأ ينسحب على التخريجة النهائية لـ«خندق 56»، إذ نرى على مدى 50 دقيقة تظهيراً لكواليس العمل والمقابلات، وإخفاءً لمشهدية «نظيفة» ممنتجة كما يجري في العادة. المسألة بحسب الصحافي اللبناني «مقصودة»، إلى جانبه تعمّد تقديم مشاهد مصوّرة غير محترفة لإبراز عمل الشباب الهواة.
في المضمون، تتعاقب شخصيات وكاركتيرات مختارة من المنطقتين، لتدلي بآرائها عن أمور عدّة تُزنّر البقعتين الجغرافيتين بكمّ من الأحكام المسبقة، والجدران العالية. خندق الغميق وطريق الجديدة تُخرجان كل ما في جعبتهما عن الآخر، بكل شفافية، وواقعية. نسمع اتهامات متبادلة، لا سيّما في السياسة والمذهبية اللتين فرّقتا السكان. نرى أيضاً شهادات من أشخاص يرفضون التلوّن بأحزاب المنطقة، وآخرين من طريق الجديدة يحبّون الاختلاط بأهالي الخندق.
محاور عدة تتعاقب بانسيابية عالية على لسان هذه الشخصيات؛ من الجدل حول المقاومة، إلى «داعش» وارتباطها بـ«السنّة»، وسوريا، وحتى كرة القدم (فريق النجمة) التي يبدو أنّها جمعت شمل المنطقتين. يُقفل الفيلم التسجيلي على صورة دخول سائق التاكسي «أبو عفيف» من طريق الجديدة إلى الخندق وجمعه بباقي المتحدّثين من هذه المنطقة. مع هذه المشهدية الرومانسية ــ إن صح التعبير ــ تتحطم جدران التفرقة السياسية والمذهبية، بعد تبيان أنّ ما يجمع هؤلاء أكثر مما يفرّقهم؛ فجميعهم يعانون من انقطاع الكهرباء والمياه، ومن البطالة والفقر والعوز. تتوحد هذه المعضلات الحياتية الأساسية لتوحّد معها هؤلاء الشباب، وبالتالي سكان المنطقتين، كما يهدف هذا الفيلم.
في المحصلة، يكسر «خندق 56» رتابة صناعة الأعمال التسجيلية، ويعطي نموذجاً مختلفاً في عالم الصورة ومعالجة المحتوى، مانحاً فسحة لشباب لا يفقهون لغة الكاميرا والصحافة، ليتعرفوا أكثر على هذا العالم، ويخرجون بواسطتها الصورة الأنقى والأكثر واقعية للتعبير عن محيطهم وهواجسهم.
على خط موازٍ، يُعدّ رضوان مرتضى سلسلة وثائقية استقصائية على شاكلة برنامج (لم يجر الاتفاق بعد مع أي قناة) تطبعه الملفات الأمنية خصوصاً، وتدور محاوره حول شخصيات جدلية، أو ملفات فساد، على أن تكون أولى الحلقات مخصصة للإرهابي نعيم عباس. في جعبة مرتضى أيضاً وثائقيّ عن الشهيد عماد مغنية، وإطلالة على جوانب نادرة من حياته في ميداني الإعلام والفن (سينما، وموسيقى...).

عرض فيلم «خندق 56»: اليوم ــ الساعة الثامنة مساءً ــ «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت). الدعوة عامة. للاستعلام: 01/753010