حكي الكثير عن برنامج «كتيّب الديموقراطية» (Democracy Handbook) الذي انطلق قبل أيام ويقدّمه الإعلامي المصري باسم يوسف على قناةFusion TV الأميركية. كان الاعتقاد بأّنه سيكون مثل برنامجه الشهير «البرنامج» المكوّن من ساعة (إلى ساعتين) تلفزيونيتين مرفقتين بالعديد من المقاطع المأخوذة عن التلفزيون لسياسيين معروفين يتم التعليق عليها بطريقة كوميدية مع فواصل كلامية خاصة. باختصار، كانت الفكرة العامّة أنَّ يوسف سيقدّم «البرنامج» بنكهةٍ أميركية خالصة. لكن من شاهد «الكتيب»، فوجئ بأن الأمر ليس كما أراده البتة؛ فـ «كتيب الديموقراطية» ليس أكثر من خمس دقائقٍ سريعةٍ على الهواء.
برنامجه الجديد يصوّر عرفات كديكتاتور، والعالم العربي كما يعرفه الأميركيون
تحكي الدقائق الخمس للبرنامج الجديد عن مواضيع متعدّدة، وتعني بالتأكيد الشارع أو المواطن الأميركي قبل أي شخص آخر. صحيح أنَّ يوسف يستعمل التقنيات ذاتها التي اتّبعها في «البرنامج» لناحية «قص المقاطع الصوتية والفيديو»، واللعب على الصور وتحريكها حين يحتاج ذلك، فضلاً عن التصوير بتقنية الـ HD، إلا أن محتوى البرنامج افتقر إلى الجدّة أو التأثير اللذين امتاز بهما البرنامج. مثلاً، يطرح في إحدى الحلقات موضوع العلاقة بين الدين (وتحديداً المسيحية) والدولة الأميركية (نظام الحكم). طبعاً، يحاول قدر الإمكان الحديث عن الفكرة بشكلٍ كوميدي. لا تكفي الدقائق الخمس للحديث عن الأمر بشكلٍ مفصّل. وبدلاً من استغلال الوقت في حديثٍ مفهوم/ مفيد، ينحو الجو صوب «التسخيف» و«التتفيه»، مع الإصرار على الإيحاءات الجنسية (كالإشارة إلى أنَّ العلاقة بين الدين ونظام الحكم هي علاقة جنسية، مع إظهار صورة لواقٍ ذكري وسواها مثلاً). حلقةٌ أخرى يتحدّث فيها باسم عن «حرية التعبير»، وطبعاً العنوان «خلاب»، لذلك نتوقع أن يتحدث في أمورٍ حقيقية تتناول الحرّية، ولكن المشاهد يفاجأ بأنه يحكي عن فتاة تحدّثت بعنصرية عن سمر البشرة، أو أخرى تحدثت عن «زائدي الوزن»، أو حتى عن شاب طرد من عمله بسبب انتقاده ثياب الشركة التي يعمل فيها. كل تلك المواضيع كان من الممكن أن تكون جيدة في برنامجٍ عربي على قناةٍ عربية ممولةٍ «حكومياً»، وكانت لتمر نظراً إلى أنّ الجمهور ليس «جمهوراً» مدفوع الأجر، فماذا كان باسم يقصد؟ وما هو الهدف الذي يرجوه في التعامل مع الجمهور الأميركي؟ أكثر من هذا، يعتمد يوسف على «لهجته» التي تبدو لهجة «شرق أوسطية». رغم أنه يتحدث الإنكليزية بطلاقة، إلا أنّه يتعمّد إظهار «شرق أوسطيته» وهي لربما لعبة «مسروقة» (وإن بذكاء) من فيلم ساشا بارون كوهين «بورات»، حين أدى الممثل البريطاني دور «كازاخستاني» يرغب في تعلّم «الحضارة» الأميركية مع كل صفاتها. من يتابع البرنامج، يمكنه بسهولة إدراك مدى التشابه بين الفكرتين. يبدو باسم «متفاجئاً» بكل شيء، مذهولاً، وفي الوقت عينه يطلق تعليقات تبدو «غبية» بالنسبة إلى الأميركيين، ويصر على أنه في أحيانٍ ما «لا يفهم» ما يقولونه أو «يفكرون» به لأنه «شرق أوسطي». إحدى ميزات برنامج «كتيّب الديموقراطية» أنَّ باسم ينزل إلى الشارع ويجري مقابلاتٍ مع أشخاصٍ أميركيين (سواء شخصيات أو من عامة الناس). ميزة استخدمها سابقاً في برنامجه «أميركا بالعربي» (ولكن ليس في «البرنامج»). يجري يوسف هذه اللقاءات بهدف الإضاءة على فكرته التي يريد الحديث عنها (كالانتخابات وما إذا كانت تزوّر في أميركا مثلاً)، طبعاً كعادته: يتحدّث هو أكثر بكثير من ضيوفه، فالبرنامج برنامجه. أليس كذلك؟
في الإطار عينه، يظهر يوسف منتقداً الأنظمة العربية: أساليب القمع، أساليب التعامل مع الجمهور... لكن الغريب أنه يضيف صور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (مع الكثيرٍ من الأعلام الفلسطينية في هذا السياق) إلى قائمة الرؤساء الديكتاتوريين (كصدام حسين والقذافي والمخلوع مبارك) الذين ينتقدهم، مع العلم بأن عرفات لم يصنّف يوماً على أنّه «ديكتاتور» (سواء من شعبه أو من الحكومات الأوروبية أو الغربية). يمرر الإعلامي المصري بسخرية كبيرة معلوماتٍ عن الدول العربية، مع إصرارٍ على إظهار «التخلّف» وتحديداً الصور التي تظهر بلادنا كأفغانستان، مع العلم بأنّه «مصري» أي أنّه يعرف تماماً «شكل» بلادنا، لكن لا مشكلة مع منطق: «هذه هي الصور التي يعرفها الأميركيون عن العرب، لذلك لا ضير من استخدامها»!
يذكر هنا أنّ الجمهور اللبناني على موعد مع باسم يوسف (تحديداً في 3 آب/ أغسطس المقبل) الذي يقدّم عرضه «الكلمة أحدّ من السيف» ضمن «مهرجانات بيت الدين». فهل تكون تلك الحفلة «أهضم» من برنامجه القصير؟

* «الكلمة أحدّ من السيف»: 3 آب (أغسطس) ــ مهرجانات بيت الدين