... ما سرّ هذه الحمى؟

  • 0
  • ض
  • ض

منذ اللحظات الأولى لإطلاقها في مطلع الشهر الحالي، تحوّلت لعبة الواقع المعزّز إلى ظاهرة، وصارت الشغل الشاغل للناس والإعلام حول العالم. هنا محاولة لتعريف هذه التجربة الفريدة وتحديد الأسباب الكامنة وراء هذا «الهوس»

العالم مصاب بحمّى «بوكيمون غو». اللعبة التي أبصرت النور نتيجة تعاون بين شركتي «نينتندو» وNiantic التابعة لشركة «ألفابت». بدأت القصة في الخامس من تموز (يوليو) الحالي من الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا ونيوزيلندا، قبل أن تصل «العدوى» اليوم إلى عدد كبير من الدول (غير متوافرة في لبنان بعد).

كل ذلك، وسط تزايد التحذيرات حول السلامة الجسدية والنفسية، والمخاوف الأمنية وأخرى تتعلّق بانتهاك الخصوصية، لا سيّما أنّه بعد تحميل التطبيق يتلقى بعض المستخدمين إشعاراً بأنّه سيتم استخدام المعلومات الموجودة على حساب غوغل الخاص بهم. وكانت أوّل حادثة وفاة بسببها قد سُجّلت أوّل من أمس في غواتيمالا، بعدما لقي جيرسون لوبيز دي ليون (18 عاماً) حتفه جرّاء إطلاق نار أثناء بحثه عن المخلوقات المشاكسة.
إنّها لعبة واقع معزّز (augmented reality) مجانية خاصة بالهواتف الذكية، تمكّن اللاعبين من التقاط ومبارزة وتدريب وتبديل شخصيات «بوكيمون» افتراضية تظهر في العالم الحقيقي من خلال الموبايل، من خلال تشغيل التطبيق للكاميرا ونظام تحديد الأماكن (GPS).
بمجرّد الانتهاء من الإمساك بأوّل بوكيمون، يصبح بإمكان المستخدم الاستمتاع باللعبة، ويصير عليه التجوّل في الشوارع للبحث عن مخلوقات أخرى، مستخدماً خريطة تظهر أمامه عبر التطبيق المتوافر في متجري «غوغل بلاي» و«آبل ستور»، وبطرق ملتوية أيضاً! مع تقدّم المراحل، تصبح عملية التقاط الـ «بوكيمون» أكثر صعوبة. ولمن لا يعرف، فقد ظهرت شخصيات الـ «بوكيمون» في تسعينيات القرن الماضي إثر إطلاق شركة «نينتندو» ألعاب فيديو خاصة بها لاقت رواجاً كبيراً، لتتحوّل بعدها إلى مسلسل أنيمايشن ناجح دُبلج إلى لغات عدّة، من بينها العربية. تدور قصة العمل حول فتى في العاشرة من عمره يُدعى «آش كيتشام»، يراوده حلم في أن يصبح بطل الـ «بوكيمون» حول العالم.
ذكرت مجلة NME البريطانية الأسبوع الماضي أنّ الشعبية المتزايدة التي تحظى بها اللعبة أعطت أسهم «نينتندو» دفعة كبيرة في سوق المال اليابانية. ليس هذا فحسب، فقد كسرت الشركة الأرقام القياسية، محققة أكبر حركة أسهم يومية في البورصة اليابانية، وفق مؤشّر Topix، منذ بداية الألفية الجديدة.
Poké-mania عبارة انتشرت في الصحافة الأجنبية، خصوصاً الأميركية، لوصف حالة «الهَوَسْ» التي تُعانيها شريحة كبيرة من الناس بسبب هذه اللعبة التي بزّت لعبة «كاندي كراش»، لتُصبح «أكبر لعبة موبايل في تاريخ الولايات المتحدة». هذا ما أكدته دراسة أجرتها شركة SurveyMonkey المتخصصة في إجراء الإحصاءات الإلكترونية.


ارتبطت بذاكرة الشباب لا سيّما جيل التسعينيات الذين يعرفون اللعبة جيّداً ويحنّون إليها


أظهرت نتائج الدراسة أنّه في الولايات المتحدة فقط، تُستخدم Pokémon GO من قبل حوالى 21 مليون هاتف ذكي، متفوّقة على «كاندي كراش» التي لم تتخطَّ الـ 20 مليون. حتى أنّ هذه الدراسة وضعت اللعبة على طريق «التفوّق» على تطبيق «سناب تشات» على الأجهزة العاملة بنظام «آندرويد». نتيجة أكّدها موقع SimilarWeb الذي يقيس ويحلّل حركة المرور على الإنترنت، مشيراً إلى أنّ تفوّق Pokémon GO على «كاندي كراش» جاء بنسبة 2.1 في المئة. ومن الأمثلة التي يذكرها هذا الموقع عن تفوّق «بوكيمون غو»، تصدّرها لمرّات التحميل على هواتف «آندرويد» مقارنة بتطبيق المواعدة «تيندر»، ووصولها إلى المرتبة الأولى بين التطبيقات الأكثر بحثاً على «آبل ستور». SimilarWeb يقول أيضاً إنّ اللاعبين يستخدمون Pokémon GO بمعدّل 43 دقيقية في اليوم، أي أكثر من واتسآب، وإنتسغرام، وسناب تشات. من دون أن ننسى تفوّقها لناحية أعداد التغريدات والأبحاث على محرّك غوغل.
السؤال الأساسي الذي يتبادر إلى الذهن لدى الاطلاع على هذه المعلومات: ما الذي يجعل هذه اللعبة جذّابة إلى هذا الحد؟ ألكس فيتزباتريك في مجلة الـ «تايم» وتارا هايلي في مجلة «فوربس»، يُجمعان على نقاط محدّدة تُكسب Pokémon GO شهرتها ونجاحها: ارتباطها بذاكرة الشباب لا سيّما جيل التسعينيات الذين يعرفون الـ «بوكيمون» جيّداً ويحنّون إليها، وشدّة ارتباطها بالواقع بطريقة لا تشبه أي لعبة أخرى، إضافة إلى إجبارها الناس على الخروج إلى الشوارع والطبيعة ودفعهم إلى الحركة.
هنا، تلفت «هيئة الإذاعة البريطانية» إلى أنّ مطاردة الـ «بوكيمون» على مدى سبعة أيّام، تعني أنّ الرجل العادي يحرق 1,795 وحدة حرارية، فيما المرأة العادية تحرق 1,503 وحدة حرارية.
تحتوي اللعبة كذلك على جانب معرفي. لدى محاولة التقاط الكاركتيرات الصغيرة، يستخدم اللاعب الـ Pokéballs التي يمكن الحصول عليها أثناء زيارة الـ Pokéstops. هناك، يصادف المرء الكثير من المعالم والعلامات التاريخية، بما في ذلك تلك المخفية بالقرب من مكان سكنه. ولعل أهم ما تؤمّنه هذه اللعبة هو «التفاعل بين الناس، وتمكينهم من توسيع دائرة معارفهم الاجتماعية»، فضلاً عن التسلية والاستراحة من الضغط اليومي لبعض الوقت. تجدر الإشارة إلى أنّ ألكس فيتزباتريك في الـ «تايم» أثنى على إطلاق اللعبة في الصيف، طارحاً علامات استفهام حول إمكانية استمرار شهرتها مع قدوم الشتاء وسوء الأحوال الجوية وعودة الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم!
صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، سلّطت الضوء على جانب مختلف من Pokémon GO يتمثّل في استمالتها شرائح منوّعة من اللاعبين. استندت الصحيفة إلى بحث أجرته شركة Mfour المتخصصة في سوق الهواتف المحمولة، يظهر أنّ «النساء والأقليات تنخرط في هذه اللعبة أيضاً على خلاف ما هو متعارف عليه في الألعاب الإلكترونية الأخرى». البحث الذي شمل ألف لاعب، أظهر أنّ 34 في المئة من هؤلاء أكّدوا أنّها المرة الأولى التي يستخدمون لعبة «بوكيمون». وبفضل «بوكيمون غو»، انضم عدد كبير من النساء إلى اللاعبين، فمن أصل 500 امرأة شملتهن الدراسة، قالت 47 في المئة أنّهن لم يجرّبن أي لعبة «بوكيمون» سابقاً. أما على صعيد الفئة العمرية، فيشكّل الذين تراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً 83 في المئة من إجمالي اللاعبين.


حرام في السعودية!

أعادت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية أخيراً نشر فتوى صادرة في عام 2001 تحرّم لعبة «بوكيمون»، من دون الإشارة إلى «بوكيمون غو». رغم عدم توافر هذه الأخيرة في المملكة، إلا أنّه تم تنزيلها بشكل مكثف بشكل غير قانوني، وفق ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية». ولفتت اللجنة عبر موقعها الإلكتروني إلى أنّها أعدت نشر الفتوى بسبب تلقيها «أسئلة كثيرة» بشأن اللعبة. وتحرّم الفتوى لعبة بطاقات «بوكيمون» آنذاك بعدما اعتبرتها من ألعاب «القمار والميسر»، وبسبب «تبنيها نظرية التطوّر والارتقاء التي نادى بها داروين»، كما أنّها تحث على «الشرك بالله باعتقاد تعدد الآلهة». وتطرّقت الفتوى أيضاً إلى اشتمال اللعبة على رموز وشعارات لديانات ومنظمات «منحرفة»، من بينها «النجمة السداسية (...) المرتبطة بالصهيونية العالمية، والعديد من الصلبان المختلفة الأشكال، إضافة إلى المثلثات والزوايا ورموز من المعتقد الشنتوي الساري في اليابان».

0 تعليق

التعليقات