لم نجد ما يثير الرعب في كواليس مسلسل «الرابوص» التي زارتها «الأخبار» أخيراً، في إحدى عمارات حي «الشعلان» الدمشقي ذي الطراز الفرنسي العتيق. كان تركيز المخرج إياد نحّاس وفريقه التقني منصبّاً لساعتين تقريباً على استكمال التحضيرات من أجل تصوير مشهدٍ رئيسي، تتسلل فيه عصابة «عاصي» (عبد المنعم عمايري)، وصديق طفولته «عيّاش» (محمد حداقي)، عبر «المنور» لارتكاب إحدى جرائمهما الكثيرة. بسبب قمع والده (بسّام كوسا) المدمن الكحولي، تحوّل «عاصي» من طفلٍ بريء موهوبٍ في الرسم، إلى مجرم حقيقي، يسرق ويقتل لإرضاء أبٍ سيّئ الطباع، لا يتوقف عن الإلحاح على طلب المال، وأصبحت تصرفاته «رابوصاً» يحكم خناقه حول رقبة الابن، والزوجة (ضحى الدبس)، والابنة «سناء» (ناظلي الرواس). تؤدي الأخيرة دوراً جديداً بالنسبة إليها، كفتاة مظلومة، ضحيّة لعنف الأب، وصورته الاجتماعية السيئة.
كذلك، يتحوّل شبح «سارة» (وهو دور جريء، وجديد من نوعه في المسيرة الغنيّة للممثلة السوريّة أمل عرفة) إلى «رابوص» يطارد زوجها رجل الأعمال «نزار» (الممثل اللبناني عمّار شلق)، خلال صحوه ومنامه، يهدده بالانتقام، ويطالبه بالبحث عن ابنتهما الصغيرة المفقودة.
كبرت الطفلة في كنف «دلال» (مرح جبر) و«مروان» (فايز قزق) الموظّف النزيه، الذي تقوده مواجهته للفساد إلى الجنون بسبب ما تعرّض له من تعذيب، وأصبحت «ميّادة» (كندا حنّا) طالبةً جامعيةً اليوم، تبحث في علم الجريمة ودوافع الإجرام. وسيكون هذا البحث مقدّمةً لحكاية حب تعيشها مع الضابط «طارق» (ماهر شقرا)، ولحبيبها قصّة مرتبطة بطفولته، ستسهم في تصعيد أحداث المسلسل، وربط خطوطها.
فانتازيا عابرة للزمان والمكان تدور أحداثها في بيئة افتراضيةٍ

هذا ما التقطناه من الخطوط العريضة لحكايات «الرابوص»، وسط حرارة صيف تمّوز (يوليو) الخانقة في دمشق، وضيق موقع التصوير، ما أجّل حديثنا حول العمل إلى موعدٍ آخر، جمعنا مع المخرج في مكتبه. هناك، كان بإمكاننا رؤية بعض المشاهد أثناء المونتاج، كشفت لنا عن طرحٍ بصري يبدو مختلفاً عمّا شاهدناه أخيراً، يستثمر الإضاءة، والماكياج، والديكور، والملابس، لصناعة فضاءٍ محفّزٍ للممثلين بأداء فصول دراما اجتماعية ــ نفسية إن صح التعبير، تبني حبكة أحداثها على مشاهد مرعبة، من جنّ، وسحر وشعوذة، وأطياف ورؤى مخيفة، وعنف يصدر عن شخصيّات معظمها مأزوم، يدفع ثمن خطاياه، أو يورط الآخرين بها.
يؤكد المخرج إياد نحّاس لـ «الأخبار» أنّ «للحب أيضاً مساحات وافرة في حكايات شخصيّات «الرابوص»، الذي استغرق الإعداد له قرابة عشرة أشهر، ابتداءً من الاشتغال على النص بالشراكة مع الكاتب سعيد حنّاوي، وصولاً إلى انطلاق التصوير قبيل شهر رمضان الفائت. كذلك، ستكون الكوميديا حاضرة في أحد خطوط العمل، وبطلها «ناصر» (يامن الحجلي)، وهو موظف يعمل في براد لجثث الموتى، يواجه مواقف طريفة، بسبب كونه جباناً».
يصف نحّاس «الرابوص» بـ«الفانتازيا العابرة للزمان والمكان. تدور أحداثها في بيئة افتراضيةٍ، فأبطالها على سبيل المثال يستخدمون التقنيّات الحديثة كالهواتف الخلوية، لكنّ أزياءهم تنتمي إلى حقبة الستينيات، والسيّارات من موديل الثمانينيات، والمناخ النفسي للشخصيات يحدد اللون المسيطر على فضائها، ويحمل دلالة سلوكها».
يوضح المخرج لـ«الأخبار» أنّه ذهب إلى هذا الخيار، في إطار بحثه «عن شيء مختلف يقدّمه للجمهور، يكسر القوالب التقليدية المتعارف عليها في الدراما السوريّة، ومساحة مختلفة من الحكاية، والأداء، والفن البصري، تستهدف تحقيق المتعة أولاً وأخيراً للجمهور».
لكن هل يمكن تحقيق الترفيه عبر مشاهد الرعب، وسط هذه الحالة من التوحّش التي يعيشها العالم اليوم؟ يختم إياد نحّاس حديثه لـ«الأخبار» بالإجابة: «لمَ لا؟ نحن نقدّم طرحاً جديداً نراهن عليه، ونشير مسبقاً إلى أنّه موجّه للمشاهدين فوق عمر الـ16 عاماً، قد يختلف الناس حوله، لكنّهم بالتأكيد سيحترمون الجهود المبذولة فيه».
«الرابوص» من إنتاج شركتي «النحّاس» و«زوى»، وكلتاهما تقتحمان ميدان الإنتاج التلفزيوني للمرّة الأولى في موسم 2017، بميزانيةٍ ضخمة. لكنّ العرض ليس مشروطاً بالموسم الرمضاني، وربمّا توفر بيئته الافتراضية، وطرحه المختلف اجتماعياً بعيداً عن أيّ اسقاطاتٍ سياسية، فرصاً تسويقيةً أوسع تتجاوز مطبّات التسويق التي عانت منها الدراما السوريّة في الموسم الفائت.
يجري تصوير المشاهد الداخلية من العمل في دمشق، وأنجز منه قرابة 60%. أما التصوير الخارجي فسيكون في مدينة صافيتا (التابعة لمحافظة طرطوس)، ضمن رؤية مدروسة تتعلق بإضفاء البعد الافتراضي على البيئة المكانية للمسلسل، ويشارك فيه أيضاً: سلمى المصري، وفاء موصللي، رنا شميّس، ليث المفتي، يحيى بيازي، راكان تحسين بيك، إيناس زريق، والممثل اللبناني بيار داغر، وممثلون كثر آخرون. وحرص صنّاع العمل على «إسناد جميع الأدوار إلى ممثلين محترفين، حتى لو كان عدد المشاهد قليلاً». وربمّا هذا أحد المآزق التي وقعت فيها بعض الأعمال التلفزيونية السوريّة أخيراً تحت ضغوطٍ إنتاجية، ويسعون هم لتجاوزها في رهانهم الإنتاجي الأوّل.