من النادر جداً أن يطل السفير التركي شاغاتاي أرجييس على الشاشات اللبنانية. تترك هذه المساحات عادةً، لسفراء الدول الكبرى والفاعلة في المنطقة أمثال فرنسا، وروسيا، والولايات المتحدة الأميركية، التي لها علاقة مباشرة بالملف اللبناني. في خطوة لافتة، ظهر السفير التركي على «تلفزيون لبنان» يوم الاثنين الماضي، ضمن برنامج «وجهاً لوجه» (إعداد وتقديم روزانا بو منصف - إخراج حنا بواري). جلّ المقابلة (ساعة تلفزيونية)، ركّز على حيثيات الانقلاب الذي حدث في 15 تموز (يوليو) وتداعياته. المساحة أعطيت بالكامل للصوت التركي، على الرغم من أنّ بو منصف ربطت في استهلالية حلقتها التطورات التركية بالضجة التي أثيرت في بيروت جراء حادثة الانقلاب، إلا أن ما انتهى إليه اللقاء لا يعدو كونه تضليلاً للرأي العام المهتم طبعاً بالشؤون التركية، وترويجاً لصورة تركيا الناصعة.السفير الذي تحدث بالإنكليزية، ورفض مراراً مقاطعته بأسئلة إضافية، استفاض كثيراً في التعبير من وجهة نظر رسمية، عن توصيف ما حدث تلك الليلة، من «سحق للمدنيين بالدبابات»، إلى «قصف البرلمان» و«اقتحام القنوات الرسمية والخاصة». كان التركيز على أن الشعب التركي بجلّه أسقط هذه المحاولة و«انتصر للديمقراطية». في استجواب بو منصف للسفير، جرى تغليف ما يحصل اليوم في تركيا من إجراءات وممارسات أمنية قمعية في المدارس والجامعات والصحافة، إذ ربط كل ذلك بالكلام عن المعارض فتح الله غولن. استحوذ الأخير على الحديث، وطُمست باقي إجراءات الدولة البوليسية في تركيا. وكان لافتاً الهروب من الحديث عن تفاصيل هذه الإجراءات إلى الكلام عن توتر العلاقات التركية - الأوروبية، بما أن الدول الأوروبية أدانت وحذرت مباشرةً من مغبة ما يفعله الرئيس التركي بخصومه. تسأل روزانا بو منصف السفير: «هل تعتقد أن محاولة الانقلاب ستتكرر في ظل وجود غولن في الخارج؟». وفي مكان آخر، والسياق عينه، خلنا للحظة أنها لمّحت إلى مجموعة الإجراءات القمعية في تركيا، لكننا كنا مخطئين، إذ أتى السؤال على النحو الآتي: «الانقلاب اليوم يطاول الجيش، ومؤسسات أخرى، هل ذلك يدل على أن غولن يحظى بانتشار واسع؟»، ليؤكد أرجييس أنّ ما يحصل اليوم في تركيا في مرافق عدّة من ضمنها الإعلام «لا يعني أن الحكومة تخنق حرية التعبير».
طبعاً، معظم مداخلات السفير أتت من دون تدخل من المذيعة. ترك على هواه في الرد على الأسئلة من دون اتخاذ مسافة نقدية لافتة، إلا في أماكن ضئيلة. حتى هذه الخروقات ــ إن صحّ التعبير ــ صحبها فوراً تلطيف للعبارات لتتناسب مع مزاج السفير التركي.
إذاً، استحوذ الحديث عن الملف التركي الداخلي أكثر من ثلاثة أرباع الوقت، من دون الالتفات إلى أن هذا الأمر لا يعني الكثير من اللبنانيين على الشاشة الرسمية، ليبقى في نهاية الحديث، جزء ضئيل مخصص لسوريا، وتحديداً ما يجري في حلب وتأثيره في الساحة التركية. هنا، أعاد السفير التذكير بدعم بلاده «للمعارضة المعتدلة» في سوريا، ومقارعة «الإرهاب»، ولا سيما جبهة «النصرة»، و«داعش». طبعاً، مرّ كلامه السلس مرور الكرام من دون أي إشارة إلى دور تركيا المحوري في تصدير هذه الجماعات، واللعب بقوة على الساحة السورية المنهكة.