ربما كانت المصادفة وحدها هي التي جمعت على رفٍّ واحد ثلاثة كتب تختزل وقائع ما يجري في البلاد وعليها. في «دار بيسان»، إحدى الدور اللبنانية القليلة المشاركة في «معرض دمشق الدولي للكتاب»، سيباغتنا اسم هيثم منّاع على غلاف كتاب بعنوان «خلافة داعش»، وإلى جانبه كتاب آخر بعنوان «تحت خط 48 ـ عزمي بشارة وتخريب دور النخبة الثقافية» للفلسطيني عادل سمارة، وقبالتهما تماماً كتاب «سياسة التحالفات السورية» بتوقيع بشار الجعفري. لن نتخيّل أن نصادف الثلاثة سويّة في أحد ممرات المعرض، فقد باعدت بينهم الدروب والمواقف والأجندات. لا مفاجآت لاحقة في أروقة «مكتبة الأسد الوطنية» التي تستضيف الدورة 28 من معرض الكتاب، بعد توقف قسري دام خمس سنوات كمحصلة لحرب لا تزال مستمرة.
وحده سعيد برغوثي بقي صامداً في «دار كنعان» بمشاركة «دار قدمس»
خلال توجهنا إلى ساحة الأمويين، لم يغب عن بالنا أن يهدينا المسلحون قذيفة طائشة. لا زحام في ممرات المعرض. يكاد الناشرون يستسلمون إلى النوم في هذا الجو الحار، في غياب الرواد، لولا النداءات المتقطعة لإذاعة المعرض لحضور حفل توقيع، أو إعلان عن حسم يتجاوز 60% بالنسبة لكتب «الهيئة العامة السورية للكتاب»، وإعلان مشابه لمنشورات «اتحاد الكتّاب العرب». سنقع على عنوان مهم هنا، هو «عاصفة على الشرق الأوسط الكبير» للفرنسي ميشال رامبو (ترجمة لبانة مشوح) يشرح فيه وقائع «النزوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط»، و«الغطرسة الأوروبية»، و«الربيع الغريب الذي عصف بالعرب». في المقابل، لن تغرينا العناوين الأخرى، إذ بدا معظمها بمثابة «إعانات إغاثة» لأعضاء الاتحاد. الشابة التي كانت توزّع منشوراً أنيقاً عن عناوين مكتبة «الإرشاد الإسلامي» لم تكن استثناءً، فكلما توغلنا في العمق، سنجد دوراً إسلامية وتراثية وجدت فرصتها في «احتلال» المعرض، بعد استنكاف معظم الدور العلمانية والتنويرية عن المشاركة في المعرض مثل «دار الحوار»، و«دار التكوين»، و«دار نينوى» لأسباب تخص أصحابها. لم يعلّق صالح صالح، مدير مكتبة الأسد الوطنية، على هذا الغياب، فقد اعتبر هذه الدورة بمثابة «بروفة أولى» لمعارض قادمة ستكون أكثر فعالية، سواء لجهة عدد الدور المشاركة، أم لجهة البرنامج الثقافي الموازي لأيام المعرض الذي غاب تقريباً عن هذه الدورة، معترفاً بخذلانه من بعض المثقفين العرب الذين رفضوا زيارة دمشق، وأبدى تفاؤله بعودة الألق إلى بلاد الأبجدية. وحده سعيد برغوثي بقي صامداً في جناح «دار كنعان» بمشاركة «دار قدمس»، يدخّن غليونه بصمت، واضعاً مشاركته في المعرض في باب «مقاومة اليأس». الخسارة المادية محقّقة حتماً، حتى أنه أهدى إحداهن كتاباً بنصف قيمته بمجرد أنها «تورطت» في دخول الجناح، واختارت كتاباً عن «تاريخ فلسطين». في مقهى المعرض، لن نصادف مثقفاً واحداً، كما جرت العادة في الدورات السابقة. ربما كانت حرارة آب (أغسطس) منعت كثيرين من مغامرة المجيء إلى المعرض، أو بسبب غياب الدور العربية الكبرى التي كانت تستقطب جمهوراً عريضاً في زمنٍ آخر. هكذا سيبدو السؤال عن «أكثر الكتب مبيعاً» نافلاً، خصوصاً أنّ توقيت المعرض لا يتناسب مع «جيوب القراء المثقوبة منذ أول الشهر فما بالك بآخره؟»، وفقاً لتعليق أحد الناشرين. مفارقة من العيار الثقيل، أن تجد كتباً مطبوعة من حقبة الاتحاد السوفياتي في جناح «المركز الثقافي الروسي»! لا أحد في الجناح. كان لينين ينظر جانباً بصور مكرّرة على ثلاثة رفوف، فيما كان ماركس وأنجلز ينظران إلينا وجهاً لوجه، وبينهما غوركي بحاجبيه الكثّين. كأن هؤلاء «الغرباء؟» يتساءلون: ما الذي أتى بنا إلى هنا؟ من فتح المستودع الرطب على كنوز الشيوعية والرايات الحمر، والواقعية الاشتراكية، في زمن الرايات السود؟ أعيدونا إلى المتحف، تبّاً لسنا فرجة لأحد!

«معرض دمشق الدولي للكتاب»: حتى 3 أيلول (سبتمبر) ـ مكتبة الأسد الوطنية