لم يعد الأمر يقتصر على تعداد تقارير تقدمها mtv في نشراتها المسائية، وتقديم المادة النقدية في اليوم التالي لها، في الصحافة المكتوبة، مع التيقّن أنه لا حاجة للتوهّم بأن شيئاً ما سيتغير، أو سيتزحزح في المضمون المقدم. لقد بات مؤكداً أنّ قناة المرّ تمارس ما يسمى matraquage يومياً على قضية اللاجئين السوريين، وتحول تقاريرها الإخبارية الى منصات للتحريض والمحاكمة.في أقل من أسبوع، سجِّل للمحطة المذكورة أربعة تقارير تتناول اللاجئين، من بينها ثلاثة تسودها المباشرة في الاتهام، والتحريض، فيما الرابع الذي عرض أول من أمس، كان بمثابة التفاف أو تذاكٍ، إذ قارب قضية مؤسسة الإسكان ومشاكل تأجير الشقق السكنية، ليصوّب في نهاية المطاف على اللاجئين السوريين أيضاً.
أربعة تقارير مختلفة تمتلئ بالاتهام والتحريض

إذاً، تضع mtv نصب عينيها هؤلاء اللاجئين، وأصبحت قضيتهم الخبز اليومي لتقارير النشرة المسائية. تذوِّب المحطة الأخلاقيات الإعلامية، والتعاطي العلمي مع قضية سياسية إنسانية شائكة، لتتخذ منها مطيّة، وشماعة تعلق عليها مشاكل لبنان وآفاته الأزلية. ظاهر هذه التقارير حرص على خزينة الدولة، وأموالها التي «تذهب هدراً» بسبب هؤلاء السوريين، مع نفحة سيادية لبنانية، هاجسها المحافظة على مقدّرات البلد، وعدم التفريط بثرواته الاقتصادية. كانت البداية مع تقرير (إعداد نخلة عضيمي)، تحسّر على ضياع ملايين الدولارات، جراء نقل النازحين السوريين مصانعهم بشكل كامل الى الأراضي اللبنانية بطريقة «غير شرعية» و«تحت جنح الظلام». تلاه تقرير لرنين إدريس، طال قطاع الاتصالات في لبنان، واستخدام اللاجئين الموجودين على الحدود الشمالية الخطوط السورية، وخسارة قطاع الاتصالات اللبناني أموالاً طائلة جراء ذلك. في هذا التقرير، كلام عن السيادة اللبنانية، وتأنيب لوزارة الاتصالات ودعوتها لوقف هذا «التسيّب» الحاصل على الأراضي اللبنانية، علماً بأنّ رئيس مجلس إدارة mtv ميشال المر يقع اليوم في دائرة الشبهات في ما خصّ ملف الاتصالات والتخابر غير الشرعي وشبكات الإنترنت.
بعد المصانع والاتصالات، توقفت mtv عند قطاع الإعلام، ودور الإعلامي الأجنبي في سرقة لقمة الصحافي اللبناني. روّجت المحطة يوم السبت الماضي لتقريرها، عبر عبارة منمقة تتكئ فيها على اللعب على الكلام: «متاعب اللجوء السوري تلاحق العاملين في مهنة البحث عن المتاعب». لكن سرعان ما اختفت عبارة «اللجوء السوري»، ليصبح الحديث عن «جنسيات عربية»، تأخذ مكان اللبنانيين في عملهم في قطاع الإعلام.
التقرير الرابع الذي لن يكون الأخير على الأرجح في تناول قضية اللجوء السوري، قارب أول من أمس قضية مؤسسة الإسكان والمخالفات التي تحدث جراء تأجير الشقق التي أخذ أصحابها قرضاً من مؤسسة الإسكان، وهذا الأمر مخالف للعقد بين صاحب الشقة والإسكان. التقرير (إعداد ملاك قطيش)، تذاكى على المشاهد بإيهامه بأنّه يسعى الى معالجة هذه المشكلة أو الإضاءة عليها. لكن ما خلص إليه كان واضح الهدف في التصويب على اللاجئين السوريين، و«فضحهم»، بما أنهم من يستأجرون هذه الشقق. بعدما أخبرتنا ملاك قطيش أنّها مارست جهداً مضنياً في البحث عن شقة مستأجرة، عثرت عليها في منطقة عوكر، (يا للصدفة) فتحت الباب للمعدّة عائلة سورية. هكذا «قطعت الشك باليقين» كما قالت قطيش في عثورها على هذا الكنز. استجوبت العائلة (مع تمويه لوجه الزوج والزوجة): «ما بتدفعوا أجار؟»، «لحالكم أو معكم ولاد؟». وبعد تأكيد العائلة أنها لا تدفع الإيجار، لجأت قطيش الى الجيران لتكتشف أنّ هذه العائلة تدفع 400 دولار أميركي.
في جوجلة سريعة لكل ما ورد، من مضامين تحريضية وعنصرية تقدمها قناة «المر»، يتبين انتهاجها سياسة واحدة، ظاهرها حرص على السيادة وأموال الدولة، فيما طريقة معالجتها أقرب الى المحاكمة والاقتصاص، والتحريض. لم تصل هذه القناة وغيرها الى مقاربة موضوعية علمية وإنسانية تتعلق بقضايا اللجوء السوري. لقد بات استسهال شيطنتهم أمراً واقعاً، وإسقاط الزاوية المهنية أمراً مفروغاً منه.