أصدرت المديرية العامة للأمن العام في لبنان أخيراً بياناً حذّرت فيه جميع الشركات والمؤسسات الفنية والسياحية العاملة في البلاد، من «مغبة استخدام الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في أعمال فنية لصالحهم، ما لم يستحصلوا لهم على موافقة مسبقة من المديرية، وفقاً للأصول والقوانين المرعية الإجراء، تحت طائلة اتخاذ التدابير الإدارية والإجراءات القانونية بحق المخالفين». بيان نظر إليه كثيرون بريبة، معتبرين أنّه مجرد وسيلة لإحكام السيطرة والرقابة على الفن والفنانين الآتين من الخارج. مدير مكتب الإعلام في الأمن العام، العميد نبيل حنون، أكد في اتصال مع «الأخبار» أنّ البيان يصب في سياق «التذكير»، وأنّ المسألة محصورة بالضرورات «الأمنية والإدارية»، إذ «لا أبعاد رقابية للموضوع أبداً».
استند الأمن العام في بيانه الى المادة الثانية من المرسوم رقم 10267 الصادر في السادس من آب (أغسطس) عام 1962، بناءً على «قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه» الصادر في العاشر من تموز (يوليو) من العام نفسه، ولا سيّما الفقرة (أ) من المادة الرابعة عشرة منه. تنص المادة الثانية من المرسوم على أنّه «لا يُسمح بدخول الفنان الأجنبي للعمل أو للسياحة إلا بعد موافقة المديرية العامة للأمن العام المسبقة»، علماً بأنّ الفنانين السوريين مستثنون من هذه المادة.
في آب (أغسطس) الماضي، دعا بعض رجال الدين اللبنانيين وبعض روّاد مواقع التواصل الاجتماعي إلى ممارسة رقابة على الفرق الفنية التي يتم استقدامها من الخارج بدعوى «حماية المقدسات الدينية». صحوة هؤلاء أعقبت الاستعراض الاستثنائي الذي قدّمته الفنانة العالمية غريس جونز (68 عاماً) في 24 تموز (يوليو) الماضي ضمن فعاليات «مهرجانات جبيل الدولية». فقد رصد بعضهم وشماً جامايكياً بسيطاً على جسد جونز الفنانة (لا علاقة له بأي رمز ديني)، معتبرين أن مشاركتها في هذا الحدث الفني المميز «اعتداء» على الدين والمؤمنين (الأخبار 3/8/2016). هذه واحدة من قضايا كثيرة أثارت الجدل في صيف 2016. فماذا يعني بيان الأمن العام الجديد؟ وهل له صلة بهذه القضية؟ وهل سيؤثر على اختيار البرمجة في المهرجانات والحفلات الكبرى في المستقبل؟
تستبعد رئيسة لجنة «مهرجانات بيت الدين الدولية»، نورا جنبلاط، أن يكون للبيان أثر على البرمجة. «منذ تأسيس المهرجان، لقد اعتدنا الاستحصال على الموافقات المسبقة للفنانين الأجانب المشاركين»، تقول لـ«الأخبار»، مضيفة «نحن ملتزمون دائماً بالقوانين ولم يسبق لنا التعرّض لمشاكل».
في السياق نفسه، يشدّد المدير الفنّي لـ«مهرجانات جبيل الدولية»، ناجي باز، في حديثه إلى «الأخبار» على أن «لا شيء جديداً في مضمون بيان الأمن العام. نحن وغيرنا نطلب هذه الموافقات المسبقة من المديرية قبل استقدام الفنانين باستمرار، واعتدنا فعل هذا منذ سنوات طويلة»، مستبعداً أن يكون وراء هذه الخطوة نيّة في «تشديد الرقابة. أعتقد أنّها تأخذ منحى إدارياً ومالياً». يتذكّر باز عندما كان ينوي استقدام مغنية فرنسية معروفة، لكنّه لم يستطع بعدما رفض الأمن العام إعطاءها موافقة بالدخول لأنّ اسمها مدرج ضمن «القائمة السوداء»، فهي «تتعامل مباشرة مع إسرائيل». لكن هل يعترض الأمن العام أيضاً على الفنانين بناءً على مضمون فنّهم أو تفاصيل متعلقة بهم؟ يوضح ناجي باز أنّ هذا يتم بالفعل منذ زمن: «منذ 15 عاماً أردت إقامة حفلة لفرقة هيفي ميتال البريطانية الذائعة الصيت، غير أنّ الأمر تعذّر لأنّ المديرية سجّلت اعتراضاً على مضمون بعض الأغاني الذي قد يعتبر «شيطانية» ويسيء للأديان».