شهدت السنوات الأخيرة ترسيخ خطاب حقوقي مدني في الإعلام
أضاءت الصحافية اللبنانية على الشق الإعلامي المتعلق بالقضايا الحقوقية عبر تفكيك حالتين تناولهما الإعلام اللبناني: قضية سينما «بلازا» (2012)، التي كانت مبحثها الأساسي في رسالتها عن «التغيرّ المحتمل في تناول وسائل الإعلام السائدة للجنسانية في لبنان» (جامعة أوكسفورد)، إلى جانب تحليل قضية الفتاة المغتصبة في طرابلس وكيفية تعاطي الإعلام معها.
لا شك في أنّ عام 2012 كان محطة أساسية في المشهدية اللبنانية، إذ شهد قضية إخضاع 36 شخصاً للفحوص الشرجية بعدما وشى بهم إعلام mtv وتحديداً جو معلوف في سينما «بلازا» بدعوى «الحفاظ على الأخلاقيات العامة» ضمن مشهد جديد لم نعهده من قبل. فنّدت مندور هذه المشهدية التي بدأت تراكمية مع المجتمع المدني، وانتقلت الى منصات المواقع الاجتماعية التي بات تتمتع بسلطة محاسبة، وصولاً الى الإعلام التقليدي وتحديداً lbci التي تبنت الخطاب المدني مع دخول خالد صاغية الى مطبخ تحرير أخبارها. هنا، تخبرنا مندور عن تقاطع هذا الخطاب مع مصلحة رئيس مجلس إدارة المحطة بيار ضاهر في زيادة نسبة المشاهدين للقناة. إذاً، تلاقت المصالح وخرجت مقدمة «جمهورية العار» التي سرعان ما أضحت حالة عامة رائجة. وفق مندور، تشابكت جهود ونضالات الصحافة المكتوبة مع السوشال ميديا، ومع المرئي كذلك، ليبرز هذا التغيير في المشهد الإعلامي السائد، وتضطر قناة المر مثلاً، لتغيير خطابها في أقل من 24 ساعة من رهاب للمثلية الى مناصرة قضية المثليين! لاحقاً، ترك معلوف المحطة بسبب تبنيه خطاباً مناهضاً لرهاب المثلية في ملفّ ملهى «غوست» في الدكوانة على سبيل المثال، مما تعارض يومها مع مصالح رئيس البلدية المفتاح الانتخابي لآل المرّ!
هذا التغيير الذي جاء في لحظة جمود سياسي في لبنان، وإبان الخروج من «سكرة الربيع العربي»، لم يكن ظرفياً بحسب مندور، بل تراكمياً لكن ضمن سقف «مصالح النظام القائم» وخطوطه الحمر.
هكذا، تمظهر خطاب حقوقي مدني في الإعلام، انسحب على الصحافيين الأفراد أيضاً، الذين اضطر عدد منهم الى ركوب الموجة، ولبس ثوب الحداثوية الحقوقية، في حين أنّهم يمارسون خلاف ذلك في حياتهم وأذهانهم. سلّطت مندور الضوء هنا على علاقة الفرد/ الصحافي وعلى المسؤولية العامة التي يتولاها، خلال توجهه إلى الرأي العام، وأيضاً على ضرورة محاسبة ذاته كي يحلل ويفكك دوافعه لممارسة خلاف ما يظهر.
في قضية الفتاة التي تعرضت لاغتصاب جماعي في طرابلس، لم يول الإعلام الاهتمام سوى بأجزاء منها بغرض الإثارة فقط. لعلّ السؤال الأبرز هنا يتعلق بسبب توقّف الإعلام عن مواكبة هذه القضية وتحويلها من قضية رأي عام الى شأن شخصي. طرحت مندور هذه الإشكالية، لتفكك المنظومة التي يعمل بها الإعلام، بعدما ظهرت جوانب أخرى من القضية سرعان ما عمل على طمسها، كقضايا الفقر والظروف العائلية والنفسية.
في الخلاصة، قامت ورشة العمل الأولى لـ Fe-male، بالتعاون مع الصحافيين والناشطين وحتى المدربات، بإعادة إنتاج خلفية أكاديمية عن الجندر والجنسانية، مع التشديد على أهمية التزوّد بالأخلاقيات المهنية. وهو ما يمهّد لاحقاً لمقاربات مهنية يتولاها أفراد يتمتعون بالحساسية الكافية لتغطية المواضيع ذات الصلة، ولصناعة إعلام مهني رصين بعيد عن الإثارة والاستغلال المبتذلين.