نال بوب ديلن أمس جائزة «نوبل» للآداب. إنها مفاجأة كبيرة بصرف النظر عن الملاحظات التي طالما سجّلها الباحثون والناشطون الجدّيون على الأكاديمية السويدية، وخصوصاً في ما يتعلّق بجائزتَيها المتعلّقتين بالآداب والسلام. المجالات العلمية أوضَح نسبياً من الأدب وتفرّعاته، وأوضح بكثير من مفهوم السلام والمساهمة في إرسائه من قِبَل أفراد أو مؤسّسات. الأمور في هذين المجالَين، بلغت أحياناً حدّ الفضيحة كمنح كاتبٍ كباتريك موديانو «نوبل» للآداب، وسفّاح كشمعون بيريز «نوبل» للسلام. المفاجأة اليوم تكمن في أنها المرّة الأولى التي تُمنَح فيها الجائزة الأدبية لصانع أغنية. إذ أنّ النص الغنائي لا يدخل أساساً في المعايير التي يخضع لها ترشيح كُتّاب في مجالات الرواية والفلسفة والشعر وغيرها، في حين لا جائزة للموسيقى بعد. لكن استثناء ديلن اليوم من القاعدة، له مبرّراته التي تجعله مشروعاً. الرجل يُعرَّف عنه كفنان طبعاً (أي موسيقي ومغنٍّ وكاتب أغنية شعبية)، لكن إذا أردنا تقسيم عمله بحسب العناصر المكوِّنة له، نجد أن الشعر يأتي قبل الموسيقى وقبل الغناء. أغنيات بوب ديلن هي نص في الدرجة الأولى، والموسيقى المرافِقة لها ليست سوى وسيلة لإيصال الكلمة (تماماً كزميله الراحل جوني كاش، وبخلاف زميله الحيّ نيك كايف). أمّا صوته، فليس العنصر الأقوى في أغنيته، سوى لناحية الأداء الذي يُعدّ أساسيّاً في هذا اللون الغنائي، على حساب العناصر الصوتية «الموسيقية»، المطلوبة بحدّها الأدنى لا أكثر، كالطاقة والنبرة.
وضع بوب ديلن عشرات الأغنيات، بدءاً من أواخر خمسينيات القرن الماضي. عالج في نصّه، ممّا عالج، القضايا الداخلية في الولايات المتحدة الأميركية وكذلك تلك المتعلّقة بسياسات بلاده الخارجية، مما جعله أحد أهم رموز الأغنية الاحتجاجية الناطقة باللغة الإنكليزية في النصف الثاني من القرن العشرين. هو عازف غيتار وهارمونيكا بشكل أساسي (يستخدم التقنية المعروفة في العزف على الآلتين معاً). تنتمي الحصة الأكبر من أعماله إلى الفولك الأميركي، بالإضافة إلى الروك والكانتري وغيرهما. له ألبومات كثيرة، أشهرها يعود إلى العام 1966، أي أسطوانة Blonde on Blonde، بالإضافة طبعاً إلى Desire (1976) وBlood on the Tracks (1975) وغيرهما. في السنوات الأخيرة، نشر ديلن أعمالاً قديمة ونوادر من ريبرتواره. أما آخر ألبوم له، فصدر قبل بضعة أشهر بعنوان Fallen Angels، وحوى فقط كلاسيكيات من الأغنية الشعبية الأميركية، استعادها بنكهته الخاصة. كذلك هي الحال بالنسبة إلى ألبومه ما قبل الأخيرShadows in the Night (2015)، الذي استعاد فيه كلاسيكيات أيضاً، اختارها هذه المرة من ريبرتوار فرانك سيناترا.
يفتح بوب ديلن اليوم الباب أمام ترشيح زملاء له لنيل نوبل للآداب، وهذا جيّد… لكن، للأسف، كثيرون ممّن يستحقونها بجدارة إمّا رحلوا عن هذه الدنيا، إمّا لا تعرفهم الأكاديمية السويدية لمجرّد أنهم يعبّرون عن قضاياهم بلغة «غريبة»!