فيما تزداد الصراعات والحروب استعاراً في المنطقة، وغرقت فيها دول الخليج بشكل كبير، لم تستحوذ انتخابات الرئاسة اللبنانية على حيّز لافت في تغطيات الإعلام الخليجي. هذا الإعلام الذي لم ولن يهضم فكرة مجيء ميشال عون الى سدة الرئاسة الأولى، أقحم عملية الاستحقاق التي حصلت أمس بمدار «حزب الله» والأزمة السورية المشتعلة. بقي التصويب على عون طفيفاً، مقارنة بما لفّ التغطية الخليجية من استهداف مباشر للحزب وللقتال في سوريا.قناة «الجزيرة» التي وصفت عون بـ«الزعيم المسيحي المخضرم» الذي أتى «بدعم من خصومه القدامى»، عنونت تغطيتها الخاصة بالانتخابات الرئاسية بـ«لبنان ورئاسة عون» في محاولة لفصل الخيارات اللبنانية عن عون. اعتبرت القناة القطرية أنّ الجنرال، وأيضاً النائب سليمان فرنجية ينتميان الى فريق 8 آذار، وبالتالي هما موافقان على «قتال الحزب الى جانب النظام السوري»، فيما تعارض قوى 14 آذار ذلك بسبب «زعزعة علاقة لبنان بالدول العربية». إذاً رسمت القناة القطرية إطاراً يدور في مدارها السياسي قوامه «حزب الله» والنظام السوري، وعلاقة هذا المدار بالدول العربية. عدا ذلك، ركزت «الجزيرة» على ما سمته تسوية النائب سعد الحريري مع عون من خلال «إبرام اتفاق» يهدف الى «تحييد لبنان عن الأزمة السورية» مع تشكيك المحطة بتنفيذ هذا الاتفاق.
التركيز على الحزب والقتال في سوريا قطرياً، قابلته تغطية سعودية من قبل قناة «العربية» حاولت إهانة الجنرال وأبلسته وتظهير الصفات السلبية له. قبيل نهار الانتخاب بيوم واحد، نُشر مقال مهين على موقع المحطة الإلكتروني، بتوقيع كمال قبيسي (لندن)، وبعنوان «حليف حزب الله وابن بياع الحليب قد يصبح رئيساً للبنان»! حاول المقال المذكور الدخول في سيرة عون ومهنة والده، محاولاً معايرته بأصوله الطبقية المتواضعة! لا شك في أنّ القناة السعودية لم توفق في ذلك، بل ظهّرت نفساً انتقامياً بعيداً كل البعد عن المهنية والأخلاقية. عدا ذلك، صوبت «العربية» على عمر الجنرال وبكونه أكبر الرؤساء اللبنانيين سناً، ووصفته بـ«المزاجي والعصبي»، ولا سيما في تعامله مع الصحافة. كما ركزت على الانتقادات التي طاولته، ولا سيما في قضية «توريث صهره».
قناة bbc لم تكن بعيدة عن هذه الأجواء. بدورها، ربطت الاستحقاق الرئاسي بالملف السوري، لكنها لم تلق بالثقل نفسه كما فعل الإعلام الخليجي، بل ركزت على ما سمته «التيار السنّي» الذي يعارض عون ويؤاخذه على «تصريحاته المؤيدة لسوريا» ويتهمه بـ«العمالة لإيران» وتنفيذ «أجندة حزب الله».
صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية لم تول أهمية لعملية الانتخاب، ولم تجد في التصويب على «حزب الله» وعون سوى بإجراء مقابلة مع المستشار السابق لحزب «القوات» اللبنانية توفيق الهندي. وضعت الصحيفة هذه المقابلة ضمن العناوين الرئيسية، وظهرت رجلاً ربما ليس له هذه الحيثية المهمة ليكون رأيه مؤثراً سوى أنه معارض لعون وللحزب على حدّ سواء. في هذه المقابلة التي عنونت «مستشار سابق لجعجع: حزب الله يريد دولة لبنانية على مقاسه ويسيطر عليها»، رأى الهندي (المتهم سابقاً بالعمالة لإسرائيل)، أنّ انتخاب عون «استكمال لتحويل لبنان من سلطة حزب الله بالأمر الواقع الى سلطة الحزب بالأمر الواقع والدستور». إذاً، لم تجد «الشرق الأوسط» صوتاً متماشياً مع سياستها ومناهضاً لعون وللحزب سوى توفيق الهندي ليتصدّر الكلام عن هذا الاستحقاق ولا يصح في هذا المجال سوى القول بأن اللجوء الى ذلك ليس سوى دليل على إفلاس سياسي وحتى مهني تعيشه الصحيفة السعودية.
في مقابل هذه الذبذبات السلبية التي بثها الإعلام الخليجي محاولاً تنفيذ أجندته السياسية من ورائها، كانت قناة «الميادين» التي وضعت ثقلها في تغطية الاستحقاق الرئاسي. #لبنان_انتصار_الرئاسة كان عنوان هذه التغطية والهاشتاغ الذي تصدّر يسار الشاشة، وأيضاً كان الوسم على تويتر الذي قادته المحطة لصبغ هذه التغطية، وتلقف تفاعل المغرّدين/ات. اعتبرت قناة «الواقع كما هو» أنّ مجرد حصر الترشح اليوم بعون وفرنجية سيكون «تقدماً لمحور المقاومة» رغم الخلاف بين الرجلين. منذ ساعات الصباح الأولى أمس، جنّدت «الميادين» طاقمها الميداني وفي الاستديو لمواكبة عملية الانتخاب، وفتحت مروحة نقاشاتها مع مراسليها في دول العواصم الفاعلة من موسكو الى دمشق، مروراً بطهران وواشنطن وفلسطين. بالطبع، صبّ انتخاب عون رئيساً للجمهورية في مصلحة القناة وخطها السياسي الذي لم تخفه يوماً.