منذ أسبوعين تقريباً، والإعلام اللبناني غارق في مواكبة الاستحقاق الرئاسي، عبر تعديل بعض برامجه أو تكريس برمجته الثابتة للحديث عن الحدث المرتقب. النتيجة المعروفة سلفاً وعدم تخلل الجلسة أي مفاجآت، أمرٌ شكل نقطة ضعف بالنسبة إلى القنوات المحلية التي خرجت من تخندقها السياسي المعتاد، الذي جلب الخراب والفتنة على هذه البلاد. هكذا، وقعت الوسائل الإعلامية في حالة من الركود والتكرار منذ الساعات الأولى من نهار الانتخاب. لم تجد هذه القنوات المتنافسة حيزاً سياسياً أو انعطافات لافتة لتكون بخطابها متمايزة عن البقية. ومع الإجماع الطوعي أو بـ«الإكراه» على الجنرال، تكررت الأسئلة وزوايا التغطية التي انحصرت بين الاستديو والضيوف المحللين، وبين الميدان وساحات وجود الجمهور العوني المحتفي بوصول عون الى سدّة الرئاسة.في ساعات الصباح الأولى، بدأت القنوات المحلية بإعداد عدّتها لمواكبة الحدث. تدرّجت mtv في عنونة هذه التغطية من «الاثنين الأبيض» الى «عون رئيساً»، وما بينهما تصدّرت يسار شاشتها الأرزة اللبنانية مذيّلة بعبارة «نحو الجمهورية». mtv التي تبنّت حديثاً خطاباً تهدوياً وداعماً لميشال عون، ركّزت في هذه المواكبة على دور لبنان وأهمية «استعادة دور المؤسسات الدستورية»، وأهمية هذه اللحظة بكونها حاسمة ومانعة لـ«عودة الفراغ» الرئاسي. في المقابل، تصدّر lbci عنوان «رجعت الرئاسة»، وسجلت عودة للمراسلة المخضرمة غيتا قيامة بعد غياب نسبي عن الشاشة.
وقع مراسل lbci يزبك وهبي في فخ تطييف حارة حريك

في ظل حالة التوافق السياسي التي انسحبت على الشاشات، وعجز القنوات بالتالي عن جلب جمهور عبر الاستقطاب السياسي والمذهبي، كما كان يحصل سابقاً، خاضت هذه المحطات منافسة على استقطاب الجمهور لمتابعة الحدث الرئاسي، عبر تفننها في جذبه من خلال الغرافيكس. هذا ما فعلته «الجديد» التي حولت الاستديو الى ما يشبه قاعة «السفراء» في القصر الرئاسي، وأيضاً عبر جلب شخصيات تحظى بشعبية على الشاشة، ودعوة أصحاب الهواتف المحمولة الى متابعة النقل المباشر وآخر التطورات عبر مواقعها الإلكترونية. أما «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، فقد ارتأت تمييز نفسها ــ قبل بدء الجلسة ــ عبر دمغ شاشتها بعدّاد يحصي عدد النواب الذين يصلون تباعاً الى المجلس النيابي لغاية اكتمال النصاب. أما «الجديد» وبغية استقطاب متابعين/ات لها أكثر على الشاشة، فقد تعاملت مع الحدث الرئاسي على أنه أشبه بـ«بليلة رأس السنة». هكذا، بعثت برسائل الأخبار العاجلة عبر الهواتف الذكية، لتحث المشاهدين على المتابعة ضمن شعار «خلّي عينك ع الجديد» الذي طبع هذه الشاشة سابقاً وقطفت من خلاله المحطة جمهوراً واسعاً، لتعود وتتصدر القناة ــ بعد عملية الانتخاب ــ صورة لعون في يمين أسفل الشاشة مرفقة بعبارة «سيد القصر».
otv صاحبة الشأن المباشر، طغى على تغطيتها النفس النوستالجي. سردت أحداثاً كثيرة وأضيفت شخصيات لها علاقة مباشرة بذكرى 13 تشرين الأول 1990 وما قبلها وما بعدها، بالإضافة إلى تعمّد القناة إعادة مصطلحات سادت في ذلك الزمن كتسمية القصر الرئاسي بـ«قصر الشعب»، أو عبر تأكيد كل المحتفين/ات في الساحات البرتقالية المختلفة، ولا سيما من الجيل الذي عايش تلك الفترة، على أنّهم ينتظرون هذه اللحظة منذ 26 عاماً. في هذه التغطية التي بدأت منذ أسبوع تقريباً، كان التركيز على مناطق ثقل «التيار الوطني الحر» من كفرذبيان (البلدة المركزية للتيار) أو الحدث التي تمثل «بلدة الألف شهيد»، أو حتى حارة حريك مسقط رأس الجنرال التي حجّ إليها الإعلام اللبناني، ووقع مراسل lbci يزبك وهبي في فخ تطييفها بعدما اعتبر أنّ هذه المنطقة تقع ضمن المناطق "الشيعية".
على المقلب الآخر، المعارض ربما، لكن، بسلاسة لافتة، اعتبرت nbn أنّ الجلسة ستكون «مواجهة بالسلاح الأبيض». والمقصود هنا بـ«الأوراق البيض»، فيما تناوب نواب «حركة أمل» على الظهور على هذه الشاشة، كما فعلت «المستقبل»، لكن مع فارق أن الشاشة الزرقاء ظهّرت موقف سعد الحريري «التاريخي». هكذا، وُصف بـ«رجل الدولة» و«المنقذ» للبلد، فيما أفردت nbn مساحة لنواب الحركة الذين اعتبروا أن ما حصل يقع ضمن «تسوية» عالمية طبقت على لبنان بطريقة «غير واضحة». «المنار» المحجوبة عن قمرّي «نايل سات» و«عرب سات»، لم تكن بعيدة عن أجواء التغطية المباشرة، ودعم عون للوصول الى سدة الحكم، في اعتبار أنه أنهى أطول مرحلة فراغ في تاريخ لبنان، وعاد أيضاً ليتسيّد القصر بعدما «حماه» في عام 1990 وخرج منه «مجبراً» وقتها.