كان هادئاً تماماً وواثقاً ولم ينجرّ إلى اللعبة. حاولت الكاميرات، بطبيعة الحال، أن تصطاد غضب «الجنرال عون» أكثر من مرة. لكنه لم يصدر أي انفعال، من مقعده في البرلمان، إلى جانب النائب آلان عون. ليس هناك أي شك، أن الذين حولوا البرلمان إلى سيرك، أمس، كانوا يعرفون أن الأمور ستنتهي على هذا النحو. يعني أن عون سينتخب في النهاية رئيساً. فات الأوان على الاعتراض، ولم يتبقّ إلا لعبة استفزاز الجنرال، وتذكيره بأنه جنرال، ولم يصبح رئيساً بعد. والجنرال يغضب ويصرخ. لا نعرف كيف سيكون عون الرئيس بعد، لكننا نعرف عون الجنرال. ونعرف أنه سريع الغضب. لكنه لم ينجرّ إلى اللعبة الإعلامية «الخسيسة». في الوقت نفسه، كان الجمهور المتحمس، الذي فاقت نسبة متابعته محلياً التوقعات، أمام ثلاثة سيناريوات.
على طريقة تغطية مباريات كرة القدم، انتشر المراسلون مع الجماهير خارج الملعب
الأول أن يغضب ميشال عون، وتصدر عنه انفعالات، تدل على أنه لم يتغيّر. السيناريو الثاني، أن يغضب نواب من كتلة عون، وتحدث «بلبلة»، من شأنها أن تفسد الانتخاب مباشرةً على الهواء، بعدما فشلت في إفساده قبل الوصول إلى نقطة الصفر. السيناريو الثالث، كان الملل. أن يملّ الجمهور في النهاية، ويأتي عون بلا أي صخب. غير أن الوقائع أتت عكس كل ذلك. لم ينفد صبر عون، ولم ينفعل نواب كتلته، والأهم من هذا كله، أن اللبنانيين تابعوا الأمر حتى آخر لحظة. لقد كانوا معنيين بالحدث. والطعن بشرعية المجلس الممدد لنفسه قد يكون شرعياً من الناحية الدستورية، لكن بالنسبة إلى غالبية الجماهير، فإن هذه النقطة ليست مهمة. والدليل أن أحداً لم يعترض، باستثناء «ناشطين». وعلى الأرجح، المجلس ليس شرعياً، لكن الشعب لا يكترث لذلك، ويعتبره ممثلاً عنه. وأمس، لم يشعر الشعب بالملل. كانت الأجواء «فكاهية» في نهاية الأمر، وكان واضحاً أن اللبنانيين يحبّون ذلك الشعور بوجود «دولة» ومؤسسات «تعمل لأجلهم» على نحوٍ طبيعي. ليس صحيحاً أنهم ملّوا تماماً، أو أنهم يبحثون عن تأشيرات دخول بالجملة إلى كندا وإلى أوستراليا. لقد تابعوا الحفلة حتى النهاية.أخلت الناس الشوارع وأقامت في تلفزيوناتها. المراسلون التلفزيونيون هم المراسلون التلفزيونيون. وسامة وشياكة وأخطاء نحوية و«تعباية هوا». والمصطلح الأخير مصطلح «تلفزيوني» مستخدم في أوساط الإعلام المرئي. على طريقة تغطية مباريات كرة القدم الكبيرة، انتشر المراسلون مع الجماهير خارج الملعب، بينما مدد «الوقت الأصلي» للمباراة أكثر من مرة. لقد تعامل المراسلون مع الحدث كما لو أنه مباراة كرة قدم. وقد يكون هذا كافياً، بمعزل عن أهمية الحدث من الناحية الرمزية. في النهاية، يجب أن لا ننسى أن المجلس مدد لنفسه. لم يذكّر أحد بذلك أمس، لم يشأ أحد أن يفسد «العرس الوطني الكبير». «النوايا طيبة». لكن يجب التذكير: الطريق إلى الجحيم مرصوف بالنيات الحسنة. أو يمكننا القول إن الطريق إلى بعبدا مرصوف بالحركات النيابية الرخيصة، من دون أن ينفي ذلك أن تلك الألاعيب صنعت «أكشن» تلفزيونياً شغل الناس. من هو الذي دسّ ورقتين. من حركة أمل؟ أم متمرد على الحريري؟ ربما يكون من القوات؟ لمَ لا يكون من حزب الله؟ لا، لا، الحزب شمولي. لا أحد سيفعلها. الوزير ميشال المر؟ ظهر فيديو يتهمه بذلك، لكنه ليس إثباتاً كافياً. القليل من «الساسبنس». كل هذا عادي. ولكن ما هي الذكورية سوى هذا الذي شاهدناه في حفلة التهريج أمس. ما هي الذكورية سوى هؤلاء الذين كتبوا ميريام كلينك، وجيلبرت زوين وستريدا طوق بقصد إهانة الرئيس ميشال عون. إهانته بالقول إن الذين وضعوا هذه الأوراق يفضلون انتخاب نساء على انتخابه. والذين فعلوا هذه الفعلة النتنة بحق المرأة، أي بحق أمهاتهم وزوجاتهم وشقيقاتهم، وبقية النساء اللبنانيات، يعرفون أن هذا سيلقى رواجاً، وأنه سيكون بالنسبة إلى العامة طريفاً. وما هي وظيفة الإعلام في لحظة الحدث سوى أن يصحح كل ذلك، وأن يأخذ النكتة الذكورية إلى مكانٍ آخر. لكن شيئاً من هذا لم يحدث. بدا الأمر مضحكاً ومألوفاً ومرّ في زحمة السيرك الوطني الكبير نفسه. شغل «الجمهور» بحزورة النائب «المهضوم» الذي كتب ميريام كلينك. من هو هذا «الفحل» الذي يعاني من مشاكل هرمونية حادة أدت بهِ إلى انتخاب ميريام كلينك. من الضروري أن يعرف «الفحل» أن اللبنانيين سخروا منه حتى طقطقت عظامهم. لقد صنع حدثاً إعلامياً «تحت الهوى»، وعلى طريقة الأولاد الصغار في «مدرسة المشاغبين»، نجا «فحل الأمة» بفعلتهِ ولم يعرفه أحد. لكنه يعرف نفسه.