في 28 أيّار (مايو) الماضي، قدّمت قناة «الجديد» فيلماً وثائقياً من إعداد وإخراج مراسلتها يمنى فوّاز، بعنوان «جمر الروافد» (50 دقيقة)، أنجزته إثر رحلةٍ قامت بها إلى العراق. يتناول الوثائقي موضوعاً أساسياً يشغل الرأي العام العربي والعالمي حالياً هو محاربة «داعش»، من خلال التحدّث عن طرفٍ من أطراف الصراع في العراق: الحشد الشعبي. وبما أنّ قلة في العالم حالياً تعرف «مكوّنات» الحشد الشعبي وبنيانه، فقد ارتأت الإعلامية الشابة أن تدخل إلى صنو المعركة لتميط اللثام عن الجهة التي تخوض معركة مع أخطر تنظيمٍ إرهابيٍ في العالم.
«التجربة كانت صعبة، وغنية، ومقلقة، فضلاً عن كونها سريعة للغاية. لقد صنعت هذا الوثائقي وقدّمته خلال أسبوعين فحسب»، تعترف يمنى، وتتابع قائلةً: «أكملت شيئاً كنت قد بدأته حينما باشرت بتغطية أحداث سوريا في السابق. وكانت تساعدني في إكمال لوحة puzzle المجموعات الإسلامية الموجودة في المنطقة».
لكن قبل الدخول أكثر في بنية الفيلم التسجيلي، ماذا عن الأسئلة التي راودت يمنى أثناء العمل عليه؟ هل كان هناك اختلاف جذري هذه المرّة؟ «لدي جانبان أعمل عليهما عادةً؛ الأوّل هو التقارير اليومية التي أقوم بها، والثاني هو الوثائقي الذي أنجزه سنوياً لأكمل الحدث. لكن هذه هي المرّة الأولى في حياتي التي أسأل فيها نفسي: لماذا أنا هناك؟ ولماذا أفعل هذا؟». تدخل يمنى فوّاز لحظة تفكير أعمق وتكمل: «العراق منطقة صعبة للغاية، وكان معي المصوّر محمد بربر. فجأة نظرت إليه، وفكّرت بأنّ زوجته حامل. سابقاً، كنت أذهب إلى سوريا وحدي، لكنّني في العراق لم أكن وحيدة، وهذا زاد خوفي ربما». ما الذي دفعها لكي تفكّر هكذا؟ «لقد تعرّضنا للعديد من المواقف القاسية التي جعلتني أفكر كثيراً في الأمر. أنا أفعل ذلك لأنني شغوفة ومستمتعة بهذا العمل، لكن في الوقت نفسه «أحسب حساباً» لأشخاصٍ أحبّهم».

الدخول بين الجماعات صعب، سواء كإعلامية من «الجديد» أو كأنثى


وتؤكد يمنى أنّ «الخوف كان كبيراً، ومنذ اللحظة الأولى. في لحظةٍ ما، كنّا في زحمة سير خانقة في بغداد، شعرتُ بأنّ قلبي يدق بقوة، لا أنكر أنني خفتُ أن نموت بسهولةٍ هكذا بين السيارات. اللافت في الأمر أنّني عرفت أنّ الفندق الذي نزلنا فيه وكان يعتبر أكثر الفنادق أماناً في بغداد سبق أن استهدفه تفجيرٌ كبير».
وفي إطار الحديث عن الأسباب التي دفعت بالصحافية الشابة إلى الذهاب إلى بلاد الرافدين، تشير إلى أنّه رغم أنّها ليست من جيل الحرب، غير أنّها عاشت «تردداتها»، كما أنّ ارتفاع مستوى الأدرينالين في جسدها عند سماع دوي انفجار أو صوت رصاص يجعلها تنسى كل الضغوط التي يمكن أن تشعرها قبل بداية أي عمل. وهناك أيضاً المقدرة على الوصول إلى الخبر بحد ذاته والحصول على تلك «الخبطة» الإعلامية. تعرف فوّاز أنَّ الوصول إلى عمق القضية في هذا الموضوع أمر معقد وشائك، وقلةٌ من الإعلاميين يستطيعون ذلك، نظراً إلى كثرٍة الضوابط والمحاذير وصعوبة الأرض العراقية. كل ذلك، كان دافعاً أساسياً للقيام بهذه المهمة.
«هناك صعوبة بالغة في الدخول إلى أواسط الجماعات هناك، سواء كإعلامية من قناة «الجديد»، أو كأنثى. ومع هذا استطعت تحقيق ذلك، ولو بصعوبة، لكنني فعلته»، تقول. وماذا عن الجانب الذي لا يعرفه المشاهد، ما هي الأمور التي يحتاجها صانع الوثائقي لإنجاح عمله؟ «أوّلاً التنسيق يجب أن يكون عالياً جداً، فضلاً عن الثقة بالأشخاص الذين تم التنسيق معهم». تصرّ يمنى فوّاز على هاتين النقطتين، «فأنت خارج بلادك، يعني أنت غريب هناك، ويمكن أن تتعرض للعديد من المواقف السيئة. إذا كان التنسيق سيئاً أو الأشخاص الذين نسقت معهم ليسوا على قدر المسؤولية، فأي غدر أو خيانة سيعرّضك للخطر وسيجعل مهمتك عرضةً للفشل. كنت قد تعرّضت لمواقف مشابهة في سوريا، حيث لوحقت من قبل إحدى الجماعات هناك، وتعلّمت أهمية هذا الأمر وبالطريقة الأصعب».
وبرأي فوّاز، هناك أهمية كبرى للوضوح: «عليك أن تكون واضحاً مع الفريق الذي أنت معه. عليك أن تخبره ماذا عليه أن يفعل، وماذا الذي قد تتعرض إليه». وتشدد على أنّه «عليك أن تصارحهم بأنّك لا تعدهم بالعودة سالمين. هنا أنت تعطي الآخر حق اختيار، فإمّا أن يوافق على العمل أو يرفضه». أضف إلى كل هذا، يجب أن يكون هناك بحث جيّد وتحضير متكامل حول الموضوع الأساسي، وبالتأكيد أن تكون «التجهيزات التقنية واللوجستية حاضرة».
في هذا السياق، تلفت يمنى فوّاز إلى أنّها حصلت على دورة إسعافات أوّلية تحضيراً لأعمالٍ كهذه.