قبل أيام من رمضان الماضي، أخطأ المسؤول عن حساب محمود عبد العزيز على تويتر وكتب عن مسلسل «راس الغول» أنه آخر وليس ـــ أحدث ـــ مسلسلات «الساحر». لكن الخطأ غير المقصود تحول إلى واقع. رحل الفنان الكبير أخيراً بعد صراع مع المرض ليكون «راس الغول» هو فعلاً آخر لقاء بينه وبين الجمهور.رغم النفي المستمر للتفاصيل المسربة عن حقيقة مرض الفنان، لكن قلق جمهوره ظل متواصلاً حتى إعلان خبر وفاته عن عمر ناهز 70 عاماً. السبب أن تصريحات أبنائه حول إصابته بأنيميا حادة وورم في اللثة وصعوبات في التنفس، لم تقنع محبي «الساحر» بسبب منع الزيارة عنه وحالة السرية التي فرضتها أسرته على مقر إقامته في «مسستشفى الصفا» في ضاحية المهندسين في الجيزة. سرطان في الرئة كان ذلك هو التشخيص الذي تداوله الوسط الفني والصحافي قبل إعلانه رسمياً من قِبل الأطباء، ليرحل الفنان المحبوب بعد صراع مع المرض ظهرت بوادره في مسلسله الأخير «راس الغول» الذي حقق نجاحاً ملحوظاً منذ عرضه في رمضان الماضي. ظهر الإجهاد والإعياء على وجهه في العديد من المشاهد، وأكد بعض ممن شاركوا في العمل أن عبد العزيز أكمل تصويره بصعوبة. هكذا، ودّع جمهوره من خلال شخصية «درويش» التي قدمها في رمضان 2016. ويعد عبد العزيز واحداً من قائمة تضم أبرز نجوم السينما المصرية في السنوات الخمسين الأخيرة، ويمكن اعتباره الآن ثالث الراحلين من هذه القائمة بعد أحمد زكي (1949 – 2005) ونور الشريف (1946 -2015)، وتضم القائمة أيضاً عادل إمام، وحسين فهمي، ويحيى الفخراني ومحمود ياسين. تخرج عبد العزيز في كلية الزراعة في جامعة الإسكندرية حيث ولد في المدينة الساحلية الشهيرة عام 1946، ودخل الوسط الفني مبكراً مستغلاً ملامحه الجذابة، لكنه سرعان ما عبّر عن موهبة تمثيلية فذة جعلته خلال سنوات معدودة يصل إلى البطولة المطلقة. لكن اللافت أنّ عبد العزيز تألق بشكل واضح في البطولات الجماعية التي شهدت مشاركة نجوم جيله مثل نور الشريف وحسين فهمي ويحيى الفخراني، وتحديداً أفلام «العار» (1982) حيث شخصية الطبيب النفسي المهتز والمضطر للعمل في تجارة المخدرات، و«جري الوحوش» (1987) حيث قدم شخصية «صانع المفروشات» الذي يتنازل عن عضو من أعضائه لأحد الأثرياء، و«الكيف» (1985) أحد أكثر أفلام الثمانينات نجاحاً، وجسد فيه عبد العزيز شخصية «مزاجنجي» الشقيق الفاسد لعالم الكيمياء. جاءت هذه الأفلام لتؤكد مكانة محمود عبد العزيز بعد مرحلة الانتشار التي شهدتها حقبة السبعينات، حيث كانت بداياته في أفلام «الحفيد» (1974) مجسداً شخصية صديق البطل الذي هو نور الشريف، كذلك شخصية الشاب المتهم ظلماً في جريمة قتل في طائر «الليل الحزين» (1977) أمام نيللي ومحمود مرسي وشويكار وعادل أدهم، ومن أفلام حرب أكتوبر فيلم «حتى آخر العمر» (1975) مع نجوى إبراهيم في شخصية الطيار الذي أصيب في الحرب، وشخصية عشيق سعاد حسني في الفيلم الشهير «شفيقة ومتولي» (1978). قدم الممثل الراحل قرابة 96 فيلماً حقق معظمها نجاحاً جماهيرياً ونقدياً، إلى جانب 12 مسلسلاً لكن يظل أبرزها على الإطلاق الأجزاء الثلاثة من مسلسل «رأفت الهجان» التي بدأ عرضها للمرة الأولى عام 1987 من إنتاج التلفزيون المصري. استخدم عبد العزيز في هذه الشخصية عصارة خبراته، وركز فيها بشكل واضح لتظل عالقة هي وباقي شخصيات المسلسل في أذهان الجمهور حتى الآن. تعد موسيقى المسلسل للراحل عمار الشريعي (1948-2012) من أكثر شارات المسلسلات المصرية انتشاراً. وظل الاسم مرتبطاً بعبد العزيز حتى قدم فيلم «الساحر» مع المخرج رضوان الكاشف (2001)، وهو الفيلم الذي قدم للجمهور الوجه الجديد وقتها منة شلبي. هكذا، التصق به لقب «الساحر» منذ ذلك الحين. قبل «الساحر» وبعد انتهاء مسلسل «الهجان»، وجد عبد العزيز صعوبة كبيرة في العودة للدراما التلفزيونية لأكثر من 12 سنة. خلال تلك الفترة، قدم العديد من الأفلام التي لم تحقق نجاحاً تجارياً، لكنها تميزت بالقيمة الفنية مثل فيلم «القبطان» (1997) مع المخرج السيد سعيد، وفيلم «الكيت كات» الذي قدم من خلاله شخصية «الشيخ حسني» الشهيرة من توقيع داود عبد السيد (1991)، إلى جانب تجاربه مع المخرج رأفت الميهي المختص في سينما الفانتازيا. وقدم كذلك مع المخرج محمد كامل القليوبي فيلمي «ثلاثة على الطريق» (1993) و«البحر بيضحك ليه» (1995). في نهاية التسعينات، حاول عبد العزيز مجاراة سينما الشباب، لكن التجربة لم تفلح في فيلم «الجنتل» (1996)، ليعود من جديد إلى الأفلام ذات المضمون المميز بفيلم «سوق المتعة» (2000)، ثم يحن إلى الدراما التلفزيونية مجدداً في مسلسل «محمود المصري» (2004)، ويبدأ في الظهور كنجم كبير في أفلام الشباب وتحديداً شخصية عبد الملك زرزو في فيلم «إبراهيم الأبيض» (2009) مع أحمد السقا وهي من الشخصيات العالقة في أذهان الجمهور. كما شارك في فيلم النجوم «ليلة البيبي دول» (2008) لكن الفيلم نفسه لم يحقق أي نجاح. وبعد ثورة يناير ابتعد طويلًا عن السينما واكتفى بتقديم ثلاثة مسلسلات كان أولها «باب الخلق» (2012) مع المخرج عادل أديب، ثم «جبل الحلال» (2014) مع عادل أديب أيضاً، وأخيراً «راس الغول» مع المخرج أحمد سمير فرج. وعلى خشبة المسرح، قدم 3 مسرحيات فقط أبرزها «خشب الورد» (1986) أمام عبد المنعم مدبولي وأشرف عبد الباقي. ومن مسلسلاته أيضاً «البشاير» (1988) حيث جسد شخصية أبو المعاطي شمروخ أمام مديحة كامل، وعرف عن الساحر ابتعاده المستمر عن الأضواء والحوارات التلفزيونية ودعمه في الوقت نفسه لتجربة ولديه الممثل والمنتج محمد وكريم الذي اكتفى بالعمل في التمثيل وقلد والده في العديد من أفلامه الكوميدية. لكن كلاهما لم يقترب بالطبع من تكرار تجربة «الساحر» على الأقل حتى الآن.