على خشبة «مسرح غلبنكيان»، احتفت «الجامعة اللبنانية الأميركية» بإنتاجها المسرحي الرئيسي «مجهولة النبي» مستحضرة بعضاً من حياة جبران خليل جبران وعلاقته بالنساء. إنّه عمل جماعي من إعداد وإخراج عمر مجاعص يستند إلى كتاب «مجهولة جبران» لسليم وتيا مجاعص، وهو جزء من ثلاثية حملت العناوين التالية: «جنية النبي»، «وجه النبي»، و«مجهولة جبران» الذي تحوّل إلى نص مسرحي بعنوان «كتاب جبران والجنيات الأربع». لدى دخوله على وقع أداء حركي بطيء، يطال مستويات عدة من الخشبة، أكثرها وضوحاً فتاة
تتلوى فوق جسد امرأة مريضة، سينبهر الجمهور للوهلة الأولى بجمالية السينوغرافيا (تيفاني مجاعص). بعد دقائق، سيزداد هذا الإنبهار بالموسيقى الحية لفرقة «فرقت ع نوطة» التي قلّما توقف عزفها خلال العرض الذي نظلمه إذا حصرناه بعبارة «عرض مسرحي». هو عرض موسيقي مسرحي راقص فيه من الفانتازيا لناحية طرح المضمون بقدر ما فيه من الطرح الفلسفي الشاعري. الفانتازيا كامنة في لقاء جبران بنساءٍ جاورهن في حياته الحقيقية على متن سفينة مبحرة إلى مدينة «أورفليس» الأسطورية (الواردة في كتاب «النبي»). هدف الرحلة هو البحث عن كتاب فيه اسم الدواء الكفيل بشفاء أمه كاميليا رحمة، وأخيه بطرس من دائهما.
مشهدية أخاذة، وموسيقى وغناء نابضان بالإحتراف والجمال

هن غرترود غرترود عازفة البيانو، وميشلين الممثلة الشابة، وجوزفين بيبودي الشاعرة، وماري هاسكل اللواتي ظهرن على امتداد العرض على شكل جنيات يتعقبن جبران كالساحرات الشريرات. وحدها مي زيادة، التي كانت تتشارك فضاء الجمهور كتلك الروح الصافية التي لم يلتقها جبران قط، كانت خارج فضاء السفينة تتلو أحياناً رسائلها أو رسائل جبران.
بني العرض على مشهدية أخاذة، بموسيقى وغناء نابضين بالإحتراف والجمال، وكوريغرافيا جمعت بين التعبير الجسماني وفنون القتال والرقص. بدا عمر مجاعص متأثراً بأعمال أستاذه ناجي صوراتي لناحية استخدام المسرح الجسدي الطقسي أحياناً، واللجوء إلى بعض الأدوات في السينوغرافيا.
قلّما نرى مجموعة ممثلين على المستوى ذاته نسبياً من الحرفة الأدائية الحركية. تميز بعضهم طبعاً، لكن يؤخذ عليهم جميعاً، هذا التفخيم والتنغيم في الأداء الصوتي الذي جعلنا نحن المشاهدين، نشعر في كثير من الأحيان أن عامل تكرار النص بطريقة ممكننة على الشاعرية والإنفعال المفتعلين، غلب على الشعور الحقيقي وفهم النص وأبعاده.
لم تكن عملية فهم أبعاد النص الذي راوح بين العربية الفصحى، والعامية اللبنانية والإنكليزية والفرنسية بتلك السهولة (إعداد النص موندا رياشي)، اذ لم تبد واضحة تلك العلاقة الفانتازية التي جمعت جبران بكل نسائه الجنيات الساديات. لماذا بدا جبران هامشياً إلى هذا الحد؟ لماذا نفحة الإغراء الدائمة التي تضعف جسد جبران وكل من يحيطه؟ عندما قارب العرض على نهايته، صرخت ماري هاسكل بأنّ «النبي ليس موجوداً. مي زيادة هي النبي». تلك هي اللحظة الوحيدة التي تدخل فيها شخصية مي- «مجهولة النبي»- التي لعبتها بإتقان ماريا بشارة، على متن السفينة في محاولة من جبران لقتل صورتها أو ذاكرتها. ربما كان جبران يبحث عن وجه أمه في تلك النساء، وعلى الأرجح، وجدها في مراسلاته مع مي زيادة. ربما كان يبحث عن الحقيقة البعيدة المنال. ربما العرض هو محاولة انتقام النساء اللواتي اعتزلهن جبران في مراحل متعددة من حياته... لم تكن واضحة دراماتورجيا النص والمغزى من خيارات الحكاية. الفرجة كانت رائعة، لكن هذا الإبهار البصري احتاج بعض الإهتمام بدراماتورجيا النص.

* «مجهولة النبي»: 20:30 حتى 20 ت2 ــ «مسرح غلبنكيان»» (LAU) ــ للاستعلام: 01/786464