تنفش المرأة الثلاثينية شعرها الأحمر، وتلطم مرّات متتالية حتى يشابه اللطم إيقاعاً للرقص. تتدلّى ثريا زجاجية من السقف، فتتغيّر الإضاءة وتلعب موسيقى كلاسيكية في الخلفية ليرقص الممثلان (مايا سبعلي ووليد جابر)، فتطير عباءة الممثلة الملوّنة في الفضاء الأسود للمسرح: مشهدان من المشاهد القليلة التي تكسر مونوتونية «نارسيس».
يعرض محترف «شغل بيت» لمؤسّسه المخرج شادي الهبر هذه المسرحية على «مسرح مونو». في إطار عمله مع المنظمات غير الحكومية عن قضايا عمالة الأطفال والاستغلال وزواج القاصرات، عمل الهبر هنا على نص لديميتري ملكي، عارضاً ما يريده سرداً عاطفياً لحرب الجبل.
هي «أحاسيس بعيدة عن السياسة» يعتبر أنها «ما زالت عالقة في عقول الناس»، ولم يسبق أن عالجها أحد. تفتتح المسرحية بشخصيتي العرض، امرأة عجوز وشاب. ترتدي المرأة ما يشبه معطفاً ملوناً يبنى عليه التناقض مع السواد الذي يلفّ المسرح. الشاب عسكري من الحرب اللبنانية والمرأة عاشتها، يجلسان على مقعد في مكان عام/ حديقة، ينتظران «نارسيس»، وتدور بينهما حوارات ومشاهد تراوح بين الكوريغرافيا واستعادة مشاهد من حيوات أشخاص عاشوا الحرب والخطف والقتل ومارسوه.
«هل أصبحنا... وحيدين؟
أهي رغباتنا الحقيقية المختفية وراء الابتسامات؟
أهي الذنوب؟
أهو السخف؟
الحرب؟ الحنين؟ الخوف أم التخويف؟
أهو الضجيج؟ أم الأقنعة؟ أم الموت؟
كلها أشياء ربما دفعت بنا إلى الميناء لانتظار وصول نارسيس».
هي إذاً عن حرب ينتظر فيها الناس من يأتي لينقذهم، يتوقعه بعضهم أشقر بعيون زرقاء، وآخرون بعيون سوداء وشعر أسود. هو انتظار لغودو، بين قذائف الحرب الأهلية اللبنانية ومعارك الأخوة فيها.
لكن «نارسيس» تقع وهي تحاول فعل ذلك كلّه، في فخ التبسيط والغموض والالتباس بين الشخصيات والمواضيع والمضمون. تعاني من ضعف في السيناريو وركاكته. من جهة، لم يساعد ضعف النص الممثلين فيشكّل ثقلاً في المضمون، ومن جهة أخرى لم يسمح ضعف أداء الممثلين بإغناء النص أو البناء عليه.
يقول الهبر بأنّ المسرحية «تفتح المجال أمام كل الإسقاطات والتأويلات، محاولة أيضاً بدلاً من تلقين المشاهد، أن تفتح مجالاً له بأن يفكّر في الموضوع المطروح». لكن مسعاه لجعل السيناريو واسعاً يحتمل التجارب المختلفة للناس بتنوّع خلفياتهم السياسية والاجتماعية، كما محاولة جعل النص عبثياً، أوقعا العرض في محظور التفكيك الكامل للمعنى والانسياق نحو استخدام التقنيات المسرحية من دون الحاجة لها، كما أسهما في غياب الحبكة. بينما تحمل المسرحية هاجس الانتظار ومرور الوقت، ينتقل هذا الانتظار للمشاهد والمشاهدة. ينتظران تغييراً في سياق السرد أو حتى كريشيندو معيّناً يكسر رتابة العرض. ومن الواضح أن المخرج ركّز على السينوغرافيا، لكنها أيضاً لم تستطع أن تقوم مقام السيناريو الذي بدا كمحاولة للعبث دون النجاح للوصول إليه.
من الضروري أن ننظر إلى الحرب الأهلية من زوايا مختلفة. أن نحكي تجارب ناسها باختلافاتهم، لكن مشكلة «نارسيس» هي في الخوف من مواجهة الحرب كحدث وفشلها في نقل عواطفها. فالعواطف لا تعني غياب المنطق أو السياق الزمني- المكاني أو التحليل المنطقي، بل تتطلّب منّا قراءة أكثر عمقاً حتى للطبيعة الإنسانية. ولا تبدو محاولة تعداد المشاعر وجمعها كاملة ــ بين سخف وحنين وخوف وتخويف وغيرها ــ صادقة وحقيقية في نقل ما جرى.

* «نارسيس»: 20:30 مساء حتى 26 شباط (فبراير) ـــ «مسرح مونو» (الأشرفية ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/421870