بصورة الصحافي والمحقق الإستقصائي، الذي يذهب خلف قضية ما ليتقصى تفاصيلها وخباياها، ويأتي بسلّة من المعلومات والوثائق والأدلة، حاول تامر المسحال (الصورة) أول من أمس أن يظهر بهذه الصورة في برنامجه الميداني «ما خفي أعظم» على «الجزيرة».
«عبرا من أطلق الرصاصة الأولى؟» كان عنوان التحقيق (47:30)، الذي تناول فيه مسحال معركة عبرا (شرق صيدا)، عائداً 4 سنوات الى الوراء. المعركة التي حسم فيها الجيش اللبناني وجود جماعة أحمد الأسير، غيّر المعدّ وجهتها، ليضحي طرح عنوان الحلقة/ السؤال هو الإجابة الضمنية عليها: «حزب الله».
طيلة الشريط، ورغم حديثه مع أطراف مختلفة صحافية كانت أم أمنية أو دينية، بدا واضحاً المسار الذي رسمه تامر المسحال ومن ورائه الشاشة القطرية، لخلق حالة تعاطف جديدة مع الأسير ــ الموجود اليوم في سجن «رومية» ـ ومع جماعته، سيما بعد الظهور الإعلامي الأول لمدير مكتبه الفار أحمد الحريري، وإحدى زوجات الأسير أمام «المحكمة العسكرية» في بيروت. لا شك في أن هذه الدقائق التي ادعى فيها المسحال أنه يقوم بواجبه الصحافي في تقصي الحقائق، وعرض مختلف وجهات النظر، نُقضت على لسانه في نهاية الشريط، حين أكدّ أن «الأسير دفع ثمن مواقفه الحادة، ووقع مع أنصاره في فخ مواجهة الجيش».

تحميل «حزب الله»
مسؤولية معركة عبرا

وهذا ما بدأ به هذا التحقيق، من خلال بث شريط تسجيلي للأسير قبل معركة «عبرا»، يحذّر فيه أنصاره من الوقوع في الفخ الذي نصبه «نبيه بري وحسن نصر الله»، لمواجهة الجيش اللبناني. كأن المسحال أراد التأكيد من خلال هذا المسار أن الأسير وقع في فخ نصب له مع الجيش، وأن «حزب الله» كان الطرف الثالث الذي أجّج هذه المعركة.
كان الهمّ الأساسي لمعدّ التقرير، تبيان هذه الوجهة، بأن الأسير شكل حالة قلق عند الحزب، خاصة في صيدا والجنوب. لذا عمل على التخلص منه. استصرح لهذه الغاية الشيخ ماهر حمود، والصحافي يونس عودة، ووزير الداخلية السابق مروان شربل. وبعد إعتذار النائبة بهية الحريري عن عدم المشاركة، استعان بمقطع من حديث تلفزيوني سجِّل غداة المعركة (2013 -كلام الناس)، تؤكدّ فيه الحريري أنّ «حزب الله» هو من قام بمحاصرة قصرها في مجدليون. كذلك، كان للقائد السابق للمغاوير شامل روكز، حديث مع القناة ــ من دون أن يظهر لا صوتاً ولا صورة ـ يؤكد فيه محاسبة قيادة الجيش لعناصر منها اعتدت على أنصار الأسير، وأيضاً، يعلن فيه نية الجيش حسم المعركة مع الأسير، لا إيقاف المعركة.
في هذا الشريط، عرض مسحال مجموعة من التسجيلات والمحادثات التي قال إنّها تعود لعناصر الحزب في معركة عبرا، وهي بالحقيقة لا تتضمن أي معلومة، ولا شيء يؤكد أنها تعود فعلياً الى تلك المعركة. عدا ذلك، أعاد بث فيديوات انتشرت وقتها، عن مشاركة عناصر من الحزب في المعركة. كما لم يبخل علينا بإطلالة جديدة للهارب فضل شاكر، الذي أحبت القناة أن تكنيه بـ «الفنان». وكان تكرار لروايته بأنه شارك مع الحالة الأسيرية «نصرة للمظلومين» في سوريا والعراق. كما نفى شماتته بقتل أفراد من الجيش اللبناني. أما المفاجأة في الشريط، فذهبت الى الأسير الذي تمكّن فريق البرنامج من الوصول اليه في السجن، عبر تقنية التراسل، فلم يظهر لا صورة ولا صوتاً، ولم يأت بجديد، بل ادعى أن مروان شربل هو من سمح له بأن يشكل تنظيماً مسلحاً في صيدا.
عبر صور جوية لمنطقة عبرا، وخرائط تفصيلية لمعركتها، التي تتضارب الروايات حولها كما يقول مسحال، مع نفي الجيش مشاركة طرف ثالث في هذه المعركة، وبين الإستعانة بالحقوقي نبيل الحلبي المعروف بمواقفه المعادية للحزب، الذي تحدث عن عمليات تعذيب حصلت مع أنصار الأسير و«إنتهاكات» بحقهم، وسأل لماذا لا يحاسب «حزب الله» على هذه الأعمال... كل هذا السياق، وتغييبه لشرح الحالة الأسيرية التي أشعلت الفتنة في لبنان، وشكل مسجد«بلال بن رباح» موئلاً للسلاح، وللخطب الفتنوية... كل ذلك سقط في إستقصاء تامر المسحال، بغية التصويب على «حزب الله»، وتبيان «مظلومية» الأسير حتى داخل سجنه مع باقي المعتقلين. إنه فعلاً عمل إستقصائي يحيا عليه فريق «ما خفي كان أعظم»!.


ما خفي أعظم | عبرا من أطلق الرصاصة الأولى