الرباط | اختار المخرج المغربي هشام العسري (1977) الذي قدّم في السنوات الأخيرة أفلاماً روائية لافتة، أن يخوض تجربة الـ web tv عبر أعمال فنية متعاقبة يظهر فيها الممثل الوحيد الذي يجلس أمام كاميرا قريبة من الوجه، لينقل للمشاهد أفكاره وهواجسه وهذياناته أحياناً. بعد «بيصارة أوفر دوز» و«كاكا ماين»، بث العسري أخيراً على قناته على يوتيوب ست حلقات من سلسلته الجديدة «الرفيق خيخي» التي يجسد فيها الممثل ياسين السكال الدور الوحيد، ويشارك العسري في الإنتاج فيليب بيرو.

بتسريحة بوب مارلي وبقميص رياضي للفريق الوطني، يجلس الرفيق خيخي على كرسي المرحاض، ليخاطب رفاقه، ويحرّضهم على ضرورة القيام بشيء ما، ربما هو نفسه يجهله. من حين إلى آخر، يومض الضوء الأخضر لهلال الصيدلية المجاورة على وجهه، وتتعاقب مفردات خطابه في استطراد وتداخل، ويتفرع به الحكي إلى تشعبات مختلفة. غير أنّ ما يجمع شتات أفكاره هو كونها تذهب في الغالب إلى نقد الحالات السياسية والسوسيولوجية. وفي هذا الباب، يبدو أن الرفيق خيخي ينتقد كل شيء في المغرب الراهن، حيناً بلغة مباشرة، وحيناً آخر بالتضمين والكلام المشفّر.

يشارك ياسين السكال في سلسلة المخرج المغربي هشام العسري


من المرحاض الذي يسميه الرفيق خيخي «المنبر» و«الكرسي المبجل»، يعلن منذ الحلقة الأولى أن مهمته هي التحريض و«الشحن»، ويؤكد أنه ينشد التغيير، حاملاً «النضال» في جيب، و«المواطنة» في جيب آخر، حالماً بأن يحصل المغرب على كأس العالم، وعلى الأوسكار وعلى مرتبة جيدة في التنمية، حالماً أيضاً بأن يقوم المغاربة بشيء ما، أي شيء. في المقابل، ينتقد شباب اليوم الذين يُشغّلون هواتفهم المحمولة كل حين وفي كل مكان.
ينتقد الوصوليين والمتملقين والبراغماتيين، والعاطلين من العمل الذين لا يتوقفون عن الاحتجاج والاعتصام أمام البرلمان. وما إن يحصلوا على وظيفة حتى يجنحوا إلى الكسل والتهاون في أداء مهماتهم. ينتقد المحسوبية والزبائنية والبيروقراطية، ويستخف أيضاً بـ«شهادة الحياة» التي تطالب الدوائر والإدارة المواطنين بإحضارها ليثبتوا أنهم لم يموتوا بعد. ينتقد الأحزاب السياسية وأنماط التعليم في البلاد، ثم يقفز للحديث عن الإمبريالية والرأسمالية في أميركا وعن الرفاق التاريخيين في
روسيا.
يفضل الرفيق خيخي أن يتابعه جمهوره في اللحظة التي يدخلون فيها هم الآخرون إلى المراحيض، في ما يشبه الاحتجاج على وضع يبدو أن رائحته سيئة. يبدأ حلقته التي لا تتجاوز ست دقائق بالدندنة وبإيقاع تنويمي، ويختمها بكبسة على زر طرّادة الماء، كأنما يعلن عن انتهاء مهمته الوعظية التي تكون دائماً بالتزامن مع لحظة تفريغ بطنه.
تشير إحصائيات موقع يوتيوب إلى تراجع متابعي حلقات الرفيق خيخي قياساً مع الحلقة الأولى، وهذا مؤشر يجب أن يأخذه المخرج في الاعتبار. كما تشير التعليقات التي تذيّل كل حلقة إلى تفاوت أشكال التجاوب مع المنتوج الجديد لهشام العسري بين المشجعين والمستغربين، والمستهجنين أيضاً. لكن يبدو أن ثمة رسائل كثيرة يريد مخرج «هم الكلاب» عبر مشروعه الجديد أن ينقلها للجمهور، للشباب تحديداً ممن يفترض أنهم يشكلون الفئة التي تتابع حلقات الرفيق خيخي. وربما أولى هذه الرسائل هي أن النقد الاجتماعي والسياسي، من وراء حجاب، أمر بسيط بإمكان الجميع القيام به. إذ يستطيع كل شاب اليوم أن ينشئ قناة على يوتيوب، ويوجه الكاميرا الصغيرة إلى وجهه، ثم يشرع في توجيه الكلام على عواهنه وانتقاد العالم من شرقه إلى غربه. الرفيق خيخي يوجه نقده إلى المجتمع المغربي وإلى المنظومة السياسية وإلى العديد من مظاهر الحياة المعاصرة، لكن من دون التفكير في الخروج بعيداً ولو بخطوات من المرحاض.