مطلع العام الحالي، ردّ قاضي محكمة التمييز، جوزف سماحة، «طلب التمييز المقدّم من زوج الضحية رولا يعقوب إلى محكمة الجنايات في الشمال بجناية التسبّب بالموت».
جاء ذلك بعد أربع سنوات على مقتل رولا، أي بعد مسار طويل تخللته تبرئة زوجها (ك.ب.) المشتبه فيه بالقتل ومنع المحاكمة عنه وثم إعادة اتهامه وفتح المحاكمة من جديد. مسار مضنٍ يوضح نقص «العدالة» في قضايا قتل النساء من قبل ذكور عائلاتهن.
رد طلب الزوج فتح كوة الأمل من جديد أمام النساء المقهورات، ولكنه يبقى رداً ناقصاً، في انتظار القرار الذي ستصدره محكمة الجنايات، التي يفترض أن تستمع إلى «المتهم» في منتصف أيار (مايو) المقبل.
رولا، الأم التي سبحت بدمها على مرأى من بناتها الخمس، بقي دمها حتى الآن في رقبة القضاء. برغم بشاعة الجريمة التي أودت بعمرها وصارت معها قضيّة رأي عام، إلا أن ذلك لم يغيّر الكثير. فملفّ رولا القضائي بقي مبعثراً بين ملفات محكمة الجنايات في الشمال أشهراً، و«الذكورية» التي طبعت تعامل القضاء مع هذا الملف، كانت الشرارة التي أطلقت حراكاً نسائياً أدى إلى إقرار قانون «العنف الأسري» المبتور.
هي ليست قضيّة رولا فقط. فجلّ جرائم العنف الأسري لا تزال في ميزان القضاء شأناً عائلياً. ورغم تسجيل 14 جريمة قتل لنساء من قبل ازواجهن، في غضون عامين، لم تحظ هذه القضايا بـ «الأولوية». وحتى مع تحوّل بعضها إلى قضايا رأي عام، لم يحدث ما يمكن اعتباره مساراً يحتذى به: منال العاصي التي أخرج محمد النحيلي روحها بيده، كادت تفقد «العدالة» روحها بقرار ذكوري من محكمة جنايات بيروت يمنح القاتل عذراً مخففاً «لأنّ الضحية ارتكبت عملاً غير محق وعلى جانب من الخطورة هو الخيانة الزوجية». كاد يمرّ كل ذلك لو لم يستدرك قاضٍ آخر فداحة الخطأ، مستغلاً الهامش الممنوح له في القانون. ونسرين روحانا التي كاد القضاء يقتلها مرّة ثانية بمنحه عذراً تخفيفياً للزوج في بداية الأمر بحجة «إقرارها الخطي بالخيانة»، وغيرهما كثيرات.
اليوم، يحلّ يوم المرأة العالمي في ظلّ المطلب الذي لم يتغيّر: «أسرعوا في محاكمة قتلة النساء». إلى الآن، لا تعديلات على الشعار، خصوصاً في ظلّ وجود قضايا عالقة منذ سنوات بلا نهايات. يعيد هذا اليوم الذي يحمل هذا العام شعار «الجرأة للتغيير» التذكير بما يتجاوز الستين حكاية عن نساءٍ قضين نتيجة العنف الأسري (56 ضحية ما بين العامين 2010 ومنتصف 2016 بحسب منظمة كفى عنف واستغلال)، فيما لا يزال السؤال واحداً: متى تصبح قضايا قتل النساء أولوية في القضاء؟
برغم صدور قانون «حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف» منتصف 2014، وصدور المئات من القرارات الحمائية للنساء المعنفات وأطفالهن، إلا أن القانون الذي كان يفترض أن يحمي النساء، ظهرت شوائبه عند التطبيق. في هذا الإطار، أقامت جمعية «كفى عنف واستغلال» «جردة حساب» بعد عامين من دخول القانون حيز التنفيذ، واضعة جملة من التعديلات المفترضة، وقدّرتها بـ14 تعديلاً قابلة للإضافة، لعلّ أهمّها ثلاثة: التعريف الضيّق للعنف الذي جاء محصوراً في مادته الثانية بـ«الإيذاء والضرب والتسبّب في الأذى (...)»، من دون أن يشمل مثلاً أنواعاً أخرى من العنف منها المعنوي على سبيل المثال، وهنا أيضاً تعميم العنف على سائر أفراد الأسرة من دون تخصيص الحماية للنساء، وثالثهما تخصيص محكمة للنظر في قضايا تعنيف النساء، التي كان يُفترض أن تحمل اسم المحكمة الأسرية.

جلّ جرائم العنف
الأسري لا تزال في ميزان القضاء جريمة كغيرها


ثلاثة تعديلات ليست هي النهاية، ولكنها بداية المعركة الطويلة أصلاً. أما المطلوب، فهو «الإرادة»، تقول المحامية ليلى عواضة من منظمة «كفى عنف واستغلال». من دون هذه الإدارة، «ستبقى قضايا العنف وقتل النساء مثلها مثل أي قضية أخرى»، وفي أحيانٍ كثيرة قضيّة ثانوية في مواجهة قضايا كالإرهاب والسرقة وغيرها.
هذه ليست مسؤولية القضاة وحدهم، فهؤلاء يتذرعون بنصوص القوانين، وإن كان البعض منهم يغوص في روحية القانون وضمن الهامش المسموحة لهم لإصدار أحكامٍ منصفة. فإن نفّذوا القانون، فهم «غير ملومين»، تتابع عواضة. أو بالأحرى، هم ملزمون بتنفيذه. أما المسؤولية الأكبر، فتقع على عاتق المشرّع الذي من المفترض أن يضع قانوناً يستجيب للتطورات وروحية المجتمعات. وهذه نقطة بديهية. أما هنا، في البلد الذي تقضي فيه امرأة كل شهرٍ على يد زوجها أو أخيها أو أبيها، فالمشرّع لا ينفكّ يدسّ في نصوصه تقاليد المجتمع وأعرافه وعاداته. في البلد، الذي كلما تقتل فيه امرأة، يأتي التعليق القاتل «بتكون عاملتلها شي عملة». والنماذج كثيرة هنا، منها على سبيل المثال إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات التي كانت «تعفي المغتصب من العقوبة في حال تزوج الضحية»، ودسّها في مواد أخرى، وإن بطريقة غير مباشرة (الأخبار 8/12/2016)، ولعلّ كلام رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية في الجلسة الأخيرة لدرس المادة «502 إلى 522» من قانون العقوبات ومناقشتها وتعديلها هو أبلغ وصف لعقلية المشرّع التي لا تزال تحمل في طياتها عبارات كـ «السترة» و«الشرف». من ينسى كلام غانم عن الأخذ في الاعتبار في أثناء النظر في التعديلات «العادات اللبنانية وكل الامور التي يتميز بها المجتمع اللبناني عن غيرنا من البلدان، بحيث لا يزال لدينا عشائر وقبائل وعادات تختلف تماماً عن الاخرين (...)؟». وكذلك الأمر بالنسبة إلى قضية تزويج القاصرات، حيث خرج النائب غسان مخيبر، وهو مشرّع للأمانة، متأبطاً مشروع قانون يهدف إلى «تنظيم زواج القاصرات».
هنا، تقع المسؤولية المضاعفة على المشرّع الذي يكرّس ذهنية العادات والتقاليد في روحية نصوصه، ولم يستطع إلى الآن تنزيه نصوصه منها، ما انعكس على القضاة في قرارات «الأحكام التخفيفية» التي شاركت في القتل. أما المسؤولية التالية، فهي على المجتمع الذكوري الذي لا يزال يعتبر موت النساء قضية ثانوية. هذا كله انعكس في القانون «المبتور». لكن، للإنصاف، أخيراً، ساعد القانون في أمرٍ واحد: توصيف جريمة القتل بعدما كانت بلا توصيف. وهذا انتصار، ولو طفيفاً.




مسيرة من الأشرفية إلى قصقص

في مناسبة يوم المرأة العالمي، قررت مجموعات نسوية وطلابية ونسائية ومدنية أن تمشي معاً في مسيرة تجوب أحياء بيروت. تأتي هذه المسيرة تأكيداً لـ «تضامننا مع قضايا كل النساء المتعددة، احتفالاً بنضالات النساء اليومية ومعاركهنّ وقدرتهن على الانتصار الدائم، ومن أجل التأكيد أنه لا مساومة على أنَّ المساواة الكاملة الشاملة قابلة للتحقيق» وفق ما جاء في الدعوة. تنطلق المسيرة من ساحة ساسين في الأشرفية، وصولاً إلى حديقة قصقص عند ظهر يوم السبت ١١ آذار (مارس).