ما أعلنه وزير الإعلام ملحم رياشي أمس في مؤتمر «الإعلام ناشر الحضارات وهمزة وصل للحوار» (تنظيم «الوكالة الوطنية للإعلام») يعدّ من أخطر وربما أجرأ ما قيل في الآونة الأخيرة حول الإعلام ومصيره. بينما تتجه الأنظار إلى الصحافة الورقية، وكيفية خروجها من أزمتها الاقتصادية والوجودية، ذهب رياشي إلى الإعلام التقليدي معلناً نهايته وبداية «عهد جديد» قوامه «الحوار والتواصل».
الإعلام التقليدي بكل ما يتضمنه من شاشات وإذاعات وصحافة ورقية، شيّعه وزير الإعلام، إلى مثواه الأخير في وقت لم ينته فيه الجدل حول هذا المصير الأسود، وقدرته على مجاراة وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية المختلفة. قد يكون وزير الإعلام قد استبق هذا الجدل وحسمه، وهذا ليس جديداً عليه، طالما أن أول بند على أجندة وزارته، يذهب إلى إلغاء وزارة الإعلام لتأخذ مكانها «وزارة الحوار والتواصل». ومع صعوبة أو مثالية الطرح الذي يقدّمه وزير أمامه أشهر قليلة قبل مغادرة الحكومة عشية نتائج الانتخابات النيابية المقبلة - إن حصلت - يبقى المهم هو تحريك النقاش الإعلامي في البلد، ودفعه إلى أماكن أبعد وأعمق بغية إيجاد السبل المناسبة من أجل حلّ معضلاته العديدة، وأيضاً لإرساء شرعة أخلاقية ومهنية تثبّت دعائمه وتمنعه من الانزلاق إلى سقطات قاسية، كما حصل في السنوات الأخيرة.
في بداية الشهر الحالي، نظمّت وزارة الإعلام وتحديداً «مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية» مؤتمر «ثقافة الحوار ووسائل التواصل الاجتماعي» في «الجامعة الأميركية في بيروت». على مدى يومين، قارب المؤتمر محاور عديدة من «الرقابة الأمنية على الإعلام»، إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى التنوّع الطائفي في لبنان، وحسن استخدامه إعلامياً، وبحضور أكثر من ضيف/ة، ومحاور/ة. إلا أن النتيجة أتت مخالفة للواقع الإعلامي الحالي. النقاشات التي سرعان ما تحوّلت إلى خطابات حزبية وترويجية دعائية خاصة، لم تضع الإصبع على الجرح، ولم تشرّح مآلات الإعلام اللبناني، ولم تصدر توصيات عملية قد تدفع قدماً أصحاب المؤسسات الإعلامية إلى تغيير الأداء وتصويب الأخطاء الماضية. إذاً، أتت النتيجة مخيبة للتوقعات، إلى أن طرحت مؤسسة «مهارات»، ورشة عمل تعقد اليوم وغداً في أحد فنادق العاصمة، تحت عنوان «تجارب مقارنة من العالم حول دور الإعلام في تعزيز السلام والاستقرار الاجتماعي: أي تنظيم؟ وأي نموذج؟».

عرض لتجارب إعلامية،
لبنانية وعالمية

في هذا الطرح، تسعى «مهارات»، مع شركائها في «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» (UNDP)، ووزارة الإعلام، لعرض تجارب متنوعة من العالم، لرفدها بالتجربة اللبنانية، بغية الإفادة منها، والخروج بورقة عمل، تقدم إلى الوزارة، وتتضمن أطراً مهنية تساعد في تنظيم الإعلام وتعزيز السلم الأهلي فيه.
في جلسة اليوم (11.00)، وبعد تلاوة مداخلة كل من وزير الإعلام ملحم رياشي، وسفير البريطاني هيوغو شورتر، يدير الإعلامي وليد عبود حلقة نقاش حول «دور الإعلام في تعزيز السلم الأهلي». هذه الجلسة تعرض لتجربة بلدان عانت الحروب والنزاعات الداخلية، كالبلقان ولبنان، ومواجهة بلدان أخرى قضايا اللجوء. على سبيل المثال، كيف تعاملت ألمانيا مع قضية اللاجئين على أراضيها؟ تشارك في الحلقة، مديرة شبكة الصحافة الاستقصائية في البلقان جيتا كسارا، ومن مؤسسة «دويتشيه فيله» غريغور كليتوس بارييه. يناقش هؤلاء (عن الجانب اللبناني) كل من الصحافيين: حسين أيوب، راشد الفايد، رياض قبيسي، وفراس حاطوم.
«كيف نوازن بين الحرية والمسؤولية الاجتماعية» هو عنوان الجلسة الثانية (14:00)، مع عرض لنموذجين عالميين (من أوروبا والمنطقة العربية) في التنظيم القانوني والذاتي. يتحدث في هذه الجلسة كل من مدير «مركز الإعلام، الداتا والمجتمع» في جامعة Central European University، ماريوس دارغومير، والأكاديمية المحاضرة في جامعة «ستي» (لندن)، والعضو في «الهيئة الإدارية لشبكة الأخلاقيات الصحافية» زاهرة حرب (الصورة). كما تحضر مديرة المكتب الإقليمي لـ Article 19 في تونس سلوى غزواني. على أن تدير النقاش الإعلامية ديانا مقلد، مع تجارب لبنانية: المحامي نزار صاغية، مدير عام قناة «الجديد» ديمتري خضر، والإعلامي محمد شري (المنار)، ربيع الهبر (Statistics Lebanon)، على أن يكون مقرر هذه الجلسة أستاذ الإعلام علي رمال.
الجانب القانوني والتنظيمي، ستخصص له «مهارات» ورشة في اليوم الثاني (22/3). الجلسة تخوض في قوانين المطبوعات، والمرئي والمسموع، وأدوار «المجلس الوطني للإعلام»، والنقابات ووسائل الإعلام. أستاذ الصحافة جاد ملكي، يدير الجلسة الأولى مع النائبين عمار حوري، غسان مخيبر، والمحامي طوني مخايل، الى جانب عميد كلية الإعلام (الجامعة اللبنانية) جورج صدقة. وتذهب الجلسة الأخيرة، إلى طرح سؤال حول حماية الصحافة والموازنة بين الحرية والمسؤولية المهنية. على أن تتولى المجموعات المشاركة الثلاث آنفاً، طرح مجموعة توصيات تقدّم إلى وزارة الإعلام، تتضمن الحديث عن تعزيز السلم الأهلي، والخط التحريري للمؤسسات الذي يقرب وجهات النظر ويمنع التوتر، وأيضاً عن الإطار التنظيمي للإعلام الذي يناسب الواقع اللبناني.