قليلة هي الاحتفالات والأعياد التي تعيد الناس، كلّ الناس الى وسط بيروت، وتُعيد الموسيقى الى الشارع والهواء الطلق. في عامه الخامس عشر (21 يونيو)، يعود عيد الموسيقى العالمي إلى لبنان، ككّل عام، مصرّاً وغير آبه مع القائمين على إحيائه، بالهواجس الأمنية وبموجات التخويف والتطرّف. السنوات الأخيرة لم تكن أقلّ خطورة على البلد وجواره، حتى أنّ تاريخ 21 حزيران 2005 في لبنان خطفه اغتيال الشهيد جورج حاوي، وتأجّل إحياء العيد ليومين فقط وعاد الناس للاحتفال به في الشارع لأنّ الموسيقى أيضاً مقاومة وحياة. هذا العام، يشهد المهرجان عودة خجولة للمسارح خارج منطقة سوليدير، و«نزوحها» إلى بعض الأحياء القريبة كالكرنتينا (غراند فاكتوري)، والقنطاري (الكنيسة الإنجيلية). وبالطبع تستمر الجميزة في الاحتفاظ بمحطتها الموسيقية المميّزة بالنسبة إلى موقع المسرح على درج مارنقولا.
وتستضيف هذا العام حصّة كبيرة من الموسيقى الشرقية والطرب مع «كفاح مصري»، والأغاني اللبنانية مع فرقة «عود يا ناي»، وMUSIE FOLIE التي تقدم أغنيات عربية وتركية ويونانية.
نجح القائمون مع الوقت في الاقتراب من هويّة البلد الذي يستضيف هذه التظاهرة العالمية التي أطلقتها فرنسا عام 1982، احتفاءً بالموسيقى وقيمتها.
غالبية الفرق الشابّة الموجودة في لبنان لا تعزف أو تغني اللون المحلي أو الشرقي أو حتى العربي، لكن في المقابل هناك دائماً مساحة للموسيقى الشرقية في المهرجان، الكلاسيكية أو المعاصرة، إلى جانب مختلف الأنماط والألوان من الروك والميتال الى الجاز والكلاسيك والريغي والهيب هوب والبوب والإلكترو.
هكذا يحمل الجمهور برنامج الحفلات في كل سنة، ويختار الفرق والموسيقى التي يفضلّها، ويتنقل بين المسارح ليشارك ويستمع ويرقص.
جديد المهرجان الذي ينظمه «المعهد الفرنسي» و«سوليدير» في نسخته الخامسة عشرة، تأمين وسائل نقل للجمهور، فبعضهم يفضّل اختصار المسافات ليستمع ويشاهد أكبر عدد ممكن من الفرق المشاركة. وسيساهم ذلك في تخفيف زحمة السير وعدد السيارات ومجهود ركنها. كما يضيف المنظمون مسارح في أماكن جديدة كـ «شارع يوسف الرامي» في وسط البلد الذي سيكون محطة للروك، بينما ستكون «سوق الطويلة» على موعد مع الروك والهيب هوب والبوب.

ينطلق الحدث مع الموسيقى الكلاسيكية في كنيستي
«مار لويس للكبوشيين» والإنجيلية

الفرقة الفرنسية البريطانية الضيفة هذا العام هي François & the Atlas Mountains التي تقدّم موسيقى الإندي بوب. انطلقت الفرقة عام 2005 وأصدرت ألبومها الأول في 2012، وستحيي حفلاً آخر في إطار عيد الموسيقى الليلة في زحلة. ويحيي الليلة أيضاً عازف البيانو الفرنسي اريك فيرّان نكاوا أمسية مجّانية مع الحجز مسبقاً بسبب قلّة الأماكن، في منزل لوسيان جورج على بيانو قديم.
منذ عام 2000، العام الأول لعيد الموسيقى في لبنان، شاركت الكثير من الفرق والأسماء اللبنانية المعروفة والمغمورة، في إحياء هذا العيد ومن دون مقابل. وفي كل عام، يشهد المهرجان فرقاً ووجوهاً جديدة، تجد في عيد الموسيقى، فرصة لتقديم أعمالها على خشبة المسرح. ميشال بوليكيفتش مسؤولة البرمجة والمنسّقة، هي الوجه الذي يستقبل جميع الفرق المشاركة منذ أن تسلمت هذه المهمات في عام 2005. هي الدينامو الذي يتنقل بين المسارح ومهمات التنظيم والتنسيق بين الجميع، فيمكن تصوّر المجهود الذي سيبذله المسؤول عن متابعة مجرى الأمور مع هذا العدد من المسارح والفرق والمتطوّعين، والتحضيرات التي تنطلق قبل المهرجان بأشهر. لا تخفي ابتسامة ميشال وحماستها، التعب الذي يزيد مع اقتراب مساء 21 حزيران.
تتقدم الفرق التي تحب أن تشارك في أواخر شباط (فبراير) من كل عام، يتم اختيار المشاركين بعد ثلاثة أشهر، وتبدأ عملية برمجة محطات الفرق بحسب موقع المسرح ونمط الموسيقى والتوقيت، لينطلق المهرجان كالعادة، في الكنائس مع الموسيقى الكلاسيكية. ومن المشاركين هذا العام عازفة الكمان السويسرية بريجيت مولر، ترافقها عازفة البيانو ليانا هاروتيونيان في الكنيسة الإنجيلية.
ومن الأسماء الأخرى المعروفة محلّياً وتطلّ على جمهورها غداً في سوق العجمي (أسواق بيروت) فرقة «فرقت عَ نوطة» التي تمزج بين الشرقي والجاز والبلوز والروك، إلى جانب عزيزة في الزيتونة باي، وفرقتي «لتلتة» السورية و«7 طقات» الطرابلسية (هيب هوب) في سوق الطويلة.
يُذكر أنّ الاحتفالات بهذا العيد بدأها المعهد الفرنسي في المناطق منذ 5 حزيران في جونية و7 حزيران في النبطية، بالإضافة الى أمسية نظمها أمس في زوق مكايل وأمسية الليلة في زحلة. كما يعرض المعهد خلال شهر حزيران في أكثر من مركز، أفلاماً موسيقية كلاسيكية فرنسية تحت عنوان Cinéma Montaigne.
لكن تبقى المحطة المنتظرة اليوم، إذ تنطلق الأمسية هادئة عند الخامسة بعد الظهر، مع الموسيقى الكلاسيكية من داخل كنيستي «مار لويس للكبوشيين» والإنجيلية، ثمّ ترتفع أصوات الآلات تدريجياً في الخارج لتملأ فضاء بيروت ليلاً وتكسر سكونها المقلق. إنّها تظاهرة موسيقية كبرى تتحدى الفراغ والإرهاب.

* «عيد الموسيقى»: بدءاً من السابعة من مساء غداً الأحد ــ وسط بيروت، الجميزة، الكرنتينا. للاستعلام: 03/913014