لا تريد الرقابات العربيّة لنا أن ننساها. تتحفنا بإبداعات جديدة بين حين وآخر. لعلّ أحدثها، ما يتعرّض له فيلم «محبس» (2016، 92 د.) لصوفي بطرس، الذي يُعرَض حالياً في صالات عدد من الدول، من بينها لبنان وسوريا والأردن والكويت، محققاً أرقاماً مبشّرة في شبّاك التذاكر.
قبل تفصيل انتهاكات الرقابة، لنذكّر بمحتوى الشريط، الذي كتبته بطرس وناديا عليوات (منتجة الفيلم بالشراكة مع ART)، عن قصّة لهما بالتعاون مع لؤي خريش. يتناول العمل العلاقات السوريّة اللبنانيّة على المستوى الاجتماعي، ضمن «جانر» الكوميديا الرومانسيّة Rom-Com. الفرضية بسيطة. قدوم شاب سوري (جابر جوخدار) مع أبيه (بسام كوسا) وأمه (نادين خوري)، لخطبة حبيبته اللبنانية (سيرينا الشامي) من والدها (علي الخليل)، ووالدتها تيريز (جوليا قصّار). هذه الأخيرة كارهة للسوريين. السبب ليس عنصرياً كما قد يبدو للوهلة الأولى، بل نتيجة وفاة أخيها بقذيفة «شقيقة» خلال الحرب. إنّها قصّة عن نظرة أفراد من البلدين إلى بعضهم، عن أفكار مسبقة من دون احتكاك حقيقي، عن كليشيهات تناقلتها الألسن الشعبوية بلا تفكّر أو تمحيص (الأخبار 9/1/2017).
الرقابة السوريّة لم تمرّر الشريط كاملاً. حذفت منه كل ذكر مباشر لكيفية مقتل الخال، مثل صراخ تيريز الغاضب بالضيوف: «اشكروا ربكن استقبلتكن كل النهار ببيتي، قتلتولي خيّي أنتو»، وشرح الخطيبة: «خالي مات بالحرب بقذيفة سورية». كذلك، قامت الرقابة بتعليم صنّاع الفيلم بعض «الأخلاق والأدب»، فاستأصلت الشتائم والألفاظ «الخادشة للحياء».
في الأردن أيضاً، تمّت إزالة الألفاظ و«المسبّات»، وهي قليلة بالمناسبة. الرقابة الكويتية فعلت المثل، إضافةً إلى حذف قبلة بين الحبيبين، وعبارة «هدول هنّي البنات اللبنانيات» التي تقولها نادين خوري، في إشارة إلى علاقة حبّ سابقة في حياة الخطيبة. لا أهميّة لعوامل مثل تشويه الدراما، وفرض الوصاية على العقول. الأهم أنّ الرقيب العربي ما زال «الآن وهنا». يعمل بهمّة ونشاط... وغباء.
على الرقابات العربيّة البائدة أن تدرك جيّداً، ألا شيء ممّا تفعله يمكن أن يمرّ من دون ذكر وتعرية على الأقل، حتى لو لم يتغيّر شيء على أرض الواقع. الرقيب زائل، والسينما باقيّة. بالمناسبة، لم يعرض «آخر أيام المدينة» (2016، 118 د.) للمصري تامر السعيد في بلده حتى الآن، رغم الجوائز العديدة، وتجواله الدولي الواسع. علماً أنّ «متروبوليس أمبير صوفيل» في بيروت تستعد لعرضه قريباً.

«محبس»: صالات «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «فوكس» (01/285582)