«بصمات مدينة» هي اليوم لوحات لثلاثة تشكيليين، تجمعها ثيمة واحدة وأساليب متقاربة، في مساحة «آرت سبايس ـ حمرا». ميراي مرهج، رياض نعمة ورانيا حمود عطوي، شبكوا لوحاتهم لتشكل كلّاً متجانساً من خيوط المدينة.
كلّ يطبع الهويات الدقيقة فيها، تماماً كما الطباعة الحريرية في لوحاتهم على القماش. تعشّق المواد اللونية في تآليف من صلب الواقع، لتنسج لنا رسماً شبه متكامل لمختلف أوجه المدينة، بيروت أو ما تمثله بيروت من مدن أخرى.
تستقبلك لوحات ميراي مرهج عن اليمين. تصدمك، تترقب. في البداية، ربما ستتساءل إن كان ما تراه هو بوستر/ ملصق ممزق؟ أو لوحة؟ أو طباعة حريرية؟ تقترب لتكتشف. تتذوق التفاصيل والألوان الكثيرة. تدرك أن ما تراه هو لوحة مبنية على تأليف من المجلات الممزقة تعيد ميراي رسمها بعناية فائقة عبر الإكريليك على القماش. ثم تضيف إلى حبكة التأليف شخصيات من ذاكرتنا البصرية «الكرتونية» أو غيرها، ولا تكتفي. ترمي فوقها شبكاً من الطباعة الحريرية على القماش عينه، فيكتمل التأليف. في شهادة للفنان محمد الرواس عن أعمال مرهج على موقعها اختصار لزبدة القول: «بالنظر إلى لوحات ميراي مرهج عن بعد، يتذكر المرء على الفور أعمال جاك دي لا فيليغل، ميمو روتيلا وريموند هاينس من بين العديد من الفنانين الذين اعتمدوا النمط الأيقوني من الكولاج أو ملصقات الشوارع الممزقة. عندما نقترب من لوحات مرهج، نكتشف عند فحص موادها السطحية أن صورها هي في الواقع رسمت بدقة وجهد بالإكريليك، وليست مجرد تلصيق/ كولاج أو تمزيق بعد التلصيق/ دي-كولاجي لملصقات مطبوعة وصفحات من المجلات الملونة».

يندرج عمل ميراي مرهج ضمن إطار الواقعية التصويرية


ويتابع الرواس: «هذا يقودنا إلى وضع عملها ضمن إطار الواقعية-التصويرية، ويعيد إلى الذهن أعمال مالكولم مورلي بواقعيتها التصويرية في منتصف الستينيات، التي تم رسمها عن بطاقات بريدية للسفن. لا يستند عمل ميراي في الواقع إلى ملصقات الشوارع الممزقة التي تم العثور عليها، ولكن على التلصيقات الصغيرة، التي تقوم بجمعها، من قطع ممزقة ومختارة بعناية من صفحات والمجلات الملونة. إن بيان ميراي مرهج الفني لا يتعلق فقط بالنتيجة المرئية النهائية، بل أيضاً بعملية صنعها. هذه العملية تؤكد الاختلافات بين (على ما يبدو) العمل العرضي لتمزيق شرائط من الورق لخلق الكولاج الأصلي من جهة، والنتاج الحاصل من العمل بعناية في اللوحات المتفجرة. يأخذنا في رحلة عبر الزمن والثقافة الشعبية: هي تعكس هذه العوالم في عين الفنانة التي تدعونا إلى الهروب من أعباء البيئة الدنيوية المجهدة وزيارة علبة الـ «باندورا» الخاصة بها من الحياة الهانئة/ دولتشي فيتا».
من صخب التأليف في لوحة مرهج، يكمل الزائر رحلته في «آرت سبايس» ليصل إلى مجموعات أقرب إلى شكل الطوابع البريدية، لكن بأحجام أكبر. الفنان رياض نعمة وضع بدل كل شخصية على البطاقة، إنساناً من معارفه أو ناسه أو أشخاصاً يعتبرهم جديرين أكثر بهذا المكان الأيقوني – الطابع البريدي. من الناحية التقنية، يمزج رياض نعمة بين التلوين بالريشة، راسماً شخصياته كلها بيديه وريشته على خلفيات إما حمراء أو ذهبية. هذه الخلفية هي شكل الطابع التي تألفه العين بسهولة، والمفارقة أنّه طباعة حريرية. القاسم المشترك بين التشكيليين الثلاثة هو التقنية العزيزة على قلب رانيا حمود عطوي... الفنانة التي اختارت أن تلتصق بهويات أبناء مدينتها كما التصاق الطباعة الحريرية بالقماش. لم تكتفِ رانيا برحلاتها المتكررة إلى الكورنيش في عين المريسة، بل سألت رواده اليوميين: من يكونون؟ هنا محمود الذي ينتظره الكل ليسمع معه أنغام أم كلثوم وعبد الحليم. وهناك نينا تعلّم الأطفال الرقص وتتخذ من الكورنيش منزلاً ثانياً لساعات يومياً. لم نكن نعرف شيئاً عن تلك الشخصيات الحقيقية التي نراها يومياً على الكورنيش. لكن رانيا حاورتهم، تعرفت إليهم، صورتهم وأكثر... رسمتهم. الفيديو في المعرض يشهد أيضاً على تجربة رانيا مع نينا الشابة اليافعة التي ترقص بتقنية عالية، تعلم الأطفال الرقص، وتخلق مزاجاً مختلفاً على الكورنيش. تحيلها رانيا إلى لوحة بحركات نينا الكثيرة، على خلفية صفراء مشعة كروح الفتاة الباحثة عن الحياة قرب رذاذ البحر. وهنا محمود في اللوحة، يلبس «طقمه الأبيض الشهير» يجلس على الصخرة مع أرجيلته. لكن رانيا عطوي تقرر أن تغير الأغنية. في اللوحة كل شيء مباح، بين الطباعة الحريرية والإكريليك وخلفيات الأزرق البحري، تكتب «البحر بيضحك ليه» أغنية الشيخ إمام الشهيرة...
أوجه المدينة كلها مختصرة في «آرت سبايس حمرا». أوجه ثقافية، اجتماعية وغيرها عالجها الفنانون الثلاثة في قالب شبه موحد رغم تنوع الأساليب. يحار المرء بين أن تكون بيروتنا كماً من الشعارات، أو الحكايا أو الملصقات أو الطوابع الأيقونات أو الأحداث المؤرشفة للتاريخ. لكنها هنا... ربما هي ببساطة: «لوحات».

«بصمات مدينة»: حتى 15 نيسان (أبريل) ـــ «آرت سبايس حمرا» ـ للاستعلام: 01/736516