في معرضه الجديد «العرض يجب أن يستمر» الذي يفتتح غداً في «آرت لاب» في بيروت، يكتفي غيلان الصفدي (1977) باللونين الأسود والرمادي في تشريح أحوال الجحيم السوري. كأنه يدفن طبقات الألم في العمق بمسرَحة الفجيعة.
أنقاض بشر بأقصى درجات الفزع والقلق والترقّب. وجوه منهوبة تختزن كوابيس لا تنتهي فوق خشبة خلاص مهتزّة. هكذا يؤرشف التشكيلي السوري أسباب المحنة وحصيلة الخسائر بارتجالات قلم الحبر الأسود، وفقاً لمشيئة المخزون الداخلي من الصور المتراكمة للخوف.
الاعتناء بالمعنى يقوده إلى تسجيل ما يشبه القصص المصوّرة، كأننا إزاء واقع أقرب ما يكون إلى الخرافة لفرط وحشية ما يجري. تضاريس الوجه محروثة بأوجاع متراكمة، وإشارات ورموز تختزل هذا العرض المستمر للقتل. تعبيرية خارجة من رحم وقائع حرب مدمّرة، أطاحت بكل الانفعالات الأخرى روحياً وحياتياً بنوع من الإدانة الفجّة في موازاة لحظة وحشية.

تعبيرية خارجة من رحم
وقائع حرب مدمّرة

شخوصه أسرى الحيرة والانتظار. جموع تعيش وحدتها الداخلية، فالصدمة أقوى من الاحتمال. اضطر التشكيلي الشاب إلى أن يدير ظهره للألوان المبهجة التي رافقت بداياته الأولى ليغرق في «الرماد» قسرياً. تسجيل يوميات الحرب إذاً، ليس مقصده الأول، بقدر سعيه لتفريغ شحنة آثار وآثام الحرب، أو لعله يستعيد شريط كوابيسه بجرعات تعبيرية مختلفة، وبمفردات تتعلّق بيوميات الحرب.
عيون مطفأة، وغيبوبة مؤقتة، ونساء شيطانيات. لا نحتاج إلى عناء في تركيب القصص، لأنّ لكلٍ منّا قصته الفردية التي تتقاطع مع قصص الآخرين. لكن إلى أي حدّ تنتمي هذه الأعمال إلى التشخيصية التعبيرية المعروفة؟ كأن الحرب خلقت منعطفاً صميمياً في خرق قواعد المحترف السوري، في مزيج من المدرسة الوحشية والملصق الإعلاني كطوق نجاة مؤقت لا أكثر. فالحرب فرضت أدواتها كمصدر للعنف النفسي والبصري، وفقاً لما يقوله غيلان، وهذا ما يسعى إلى توثيقه بانفعالات لا تحتمل التأني في رسم الخطوط ولطخات الحبر، تبعاً لارتفاع منسوب الخوف. كأن هذه الأعمال مرسومة في اللحظة التالية للمذبحة، وهو ما يبرر هذه الكيمياء العجائبية لألبوم الخراب. ربما علينا أن نستحضر أطياف معرضه الأول قبل الحرب بثقل ألوانه وانخراطه في بهجة ألوان التعبيرية الألمانية، وما آلت إليه انشغالاته اليوم كفاتورة إجبارية وضعته في مهبّ آخر لجهة التدميرية و«فوضى الحواس» في إعادة بناء الحطام البشري. نحن على مفترق تعبيرية مضادة أفرزتها الحرب في تعاملها مع الجسد وطبقات اللون وخشونة الخطوط، وقبل ذلك اشتباكها مع معطيات الفنون المعاصرة. لننصت إلى القصص مرّة أخرى من موقع الإدانة والفضح وانتهاك بلاد تحوّلت إلى رماد بقلم حبر أسود ومخيّلة مشتعلة.

The Show Must Go On: بدءاً من الغد حتى 3 أيار (مايو) ـــ غاليري Artlab (الجميزة ـ بيروت) ـ للاستعلام: 03/244577