«السكون والحركة جزء من جدلية الموت والحياة، لكن ماذا نحسب هذا الخراب! صمتي سوف أحوله إلى صرخة بوجه هذا العالم». بهذه الجملة يعود سلام عمر إلى الواجهة. هو الذي كان وما زال محترفه محجة كل الفنانين في بيروت والمنطقة.
يعود الفنان العراقي عبر «أفكار آرت غاليري» بمعرضٍ فردي من تسع لوحات، ربما الأجدر القول بأنّها تسع صرخات. كلها من مواد مختلفة غالباً حديدية يطوعها عمر على دأبه بتطويع كل المواد لخدمة فكرته وقضيته. الفنان متمكن من أرقّ المواد الفنية إلى أصلبها، من الطباعة الحريرية إلى الرسم والحفر مروراً بالسبك والتجهيز والتشكيل بالحديد والصلب والباطون والحجر.
ما هي الهواجس التي تدفعه إلى العودة بصرخاته التسع هذه؟ يجيبنا: «هذا المعرض امتداد للمعرض السابق. كنت أشتغل على القناص والفتحة. تناولت الكثير من مفردات الحياة الموجودة اليوم. تناولت فكرة الاحتلال من خلال البهرجة الأميركية التي وصلتنا أو «داعش» عندما احتلت نينوى ودمرت كل شي إنساني وجميل، وكل فكرة راقية في أذهاننا وضمائرنا».
لا ينسى التوقف عند مكانة بيروت في قلبه. يقول: «كانت بالنسبة إليّ المتنفس الحقيقي ووجدت فيها كل الحماية لأقول كلمتي وأصرخ ضد الإرهاب والجهل والمرض وكل هذه الأشياء التي صدّروها لنا».
من جهته، يقول مدير «أفكار آرت» محمود شبّر: «سلام اسم معروف وهام في العراق. كما له حضوره في بيروت وعنده طروحاته الخاصة. ثم إنّ الفن الذي ينتجه، مختلف عما هو دارج في الصالات. وهذا كان أحد الأسباب وراء افتتاح الصالة بمعرض فردي له. الأعمال التي يقدمها، تكاد تكون تلامس الحدث، والواقع، واللحظة أو الزمان الذي نعيش فيه». ويتابع: «طبعاً، نطمح أن يكون عندنا مبيعات ورواد. ولكن الأهم أن نقدم فكراً يحاكي معاناة هذه المجتمعات، وانقسامها إلى أسود وأبيض. وأعمال سلام عمر تكاد تكون الخطاب العام والأشمل والأكمل في هذه اللحظة».
فنانون كثر هنا، بل يكاد جمهور سلام عمر يكون من الفنانين، والأصدقاء ورواد محترفه. نلتقي هناك بالتشكيلي اللبناني محمد عبدالله الذي يعلّق على الأعمال، معتبراً أنّها «أشبه باستمرار للأعمال القديمة. لكن، كأفكار هي حتماً جديدة ولم يقاربها أحد من قبل بهذا الشكل. غالبية الفنانين هنا حريصون على التفلسف في حين يقدّم سلام مادة فلسفية لكن عن تجربته والواقع الذي يعيشه. نشعر أنّ هناك حرباً ونقداً سياسياً في اللوحة. كما أنّ المأساة واضحة وضوح الشمس».
في التفصيل التقني، لوحات سلام عمر الحديدية الرقيقة القوية الصلبة المتينة الجذابة والصادقة في آن، لا يمكن أن تكون إلا محط جذب للضليعين بعالم الفنون. في معرضه، يعتمد عمر على تكرار الطبقات الحديدية فوق بعض، تكراراً صوفياً ربما كدوران الدراويش. ويقوّلها: «هو الوصول.. هو لشحن المعنى، وزيادته، وتكثيف الزخم العاطفي».
ثم يتابع شرحها لنا: «هي مفردات بسيطة وقليلة. هنالك سطح من حديد. راحت قيمة الحديد واختفت، وأخذت طابعاً آخر ربما تشعرين أنها قماش. فهذه كلها مفردات أمام التقنية التي تصبح داخلياً مكملات للمشهد الذي أريد التحدث عنه. أحاول نقل الصورة الواقعية كأنّني أخذتها من الشارع وأتيت بها إلى هنا. كل هذا لم يكن موجوداً طبعاً، أنا صنعته. يعني اختزلت هذا الزمن وكثفته لأمنحه اللحظة المشحونة القوية للمشاهد. أي شخص يدخل المعرض، سيحس بالصراخ والصمت الموجودين من دون أن أرسم مقاتلاً أو شخصاً مباشراً. هذا المعنى القوي هو الذي كنت أعمل عليه».
ثم تأتي شهادة الفنان أحمد البحراني الذي خاض أوائل تجاربه في لبنان مع سلام عمر في معرض مشترك قبل 17 عاماً. يقول لـ «الأخبار»: «منذ بداية الثمانينيات، تعرفت إليه عندما كنّا طلاباً. سلام هو باحث، إضافة إلى كونه رساماً. وهذه نقطة مهمة. معرضه هو خلاصة ما يجري الآن على الأرض، فالمواد المستخدمة مهملة تشبه ما يدور على الأرض، ولا يستطيع أحد أن يستوعب كيف استطاع أن يحول هذا الركام إلى لوحة فنية. بقي محافظاً على الجانب الجمالي، وهذه نقطة مهمة».
إذاً، هي صرخات تسع يطلقها سلام عمر، نيابةً عن الكثير من التشكيليين العراقيين أو اللبنانيين أو السوريين.... يعلّق: «لم أضعف أمام المعيشة والحياة حتى أفكر اقتصادياً كيف تباع الأشياء. كنت أفكر بالمظلومين والمجروحين والمضطهدين لأوصل صوتهم بأمان هنا، وأنا واحد منهم. أنا واحد من هالناس المظلومة» يقولها باللهجة العراقية.


معرض سلام عمر: حتى نهاية نيسان (أبريل) ــ «أفكار آرت غاليري» (الحمرا – مبنى الكوستا) ـ