هل تُمنع «العربية» من العمل في المملكة المتحدة؟ سؤال برز إلى الواجهة في اليومين الماضيين بعدما أصدرت «هيئة تنظيم شؤون البث الإذاعي والتلفزيوني» في البلاد نشرة في 24 نيسان (أبريل) الماضي.
ذكرت «أوفكوم» أنّه تبيّن لها بعد فترة طويلة من التحقيق والبحث أنّ القناة السعودية «تعدّت على خصوصية» القيادي البحريني المعارض المعتقل حسن مشيمع (69 عاماً) ببثّها لقطات له سُجّلت في السجن أثناء احتجازه التعسفي، حيث تعرّض للتعذيب، كما أنّها لم تأت على ذكر «تأكيده على براءته»، منتهكة بذلك أيضاً «قواعد البث البريطانية».
صور رئيس حركة «حق» البحرينية (منشقة عن جمعية «الوفاق» التي أسّسها مشيمع قبل أن تحلّ لاحقاً) ظهرت في وثائقي بعنوان «البحرين... صندوق فبراير» عرضته «العربية» في 27 شباط (فبراير) 2016، من إعداد مدير مكتبها في المنامة محمد العرب (الأخبار 29/2/2016).
صوِّر الشريط في أروقة الإستخبارات البحرينية، وهدف إلى تجريم «سجناء رأي» بالتخابر مع «حزب الله» وإيران، وبالتالي اتهام هذين الطرفين بالتدخّل في الثورة البحرينية التي قامت في شباط 2011. وتضمّن الوثائقي مشاهد ومستندات التحقيق مع مشيمع الذي اتُهم بالتواصل مع «حزب الله» إثر عودته من المنفى البريطاني، ليعتقل خلال انتفاضة 14 فبراير ويُحكم عليه بالسجن مدى الحياة من قبل محكمة عسكرية، على خلفية دوره القيادي في الاحتجاجات المناوئة للنظام.
أوّل من سلّط الضوء على قرار «أوفكوم» كان موقع «ميدل إيست آي» (عين الشرق الأوسط) الإخباري، كاشفاً أنّه في انتظار حسم «هيئة تنظيم شؤون البث» خيارها بشأن العقوبة المناسبة التي ستفرض على «العربية»، تواجه المحطة المحسوبة على العائلة الحاكمة في السعودية ثلاثة احتمالات: إمّا تعليق رخصة عملها في بريطانيا، أو فرض غرامة مالية كبيرة عليها، أو مطالبتها بالاعتذار على الهواء.
وفي سياق شرحها التفصيلي لحيثيات القضية، أشارت «أوفكوم» إلى أنّها أجرت تحقيقها بعد تلقيها شكوى من قبل مجموعة «أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين» (ADHRB) الحقوقية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، ومديرها التنفيذي حسين عبد الله، وكيل الدفاع عن المعارض البحريني.

سحب رخصة البث، أم غرامة
مالية، أم طلب اعتذار؟

ضمّ «البحرين... صندوق فبراير» مقابلة مع مشيمع، أكد الأخير أنّها أجريب معه تحت تهديد التعذيب، مشدداً على أنّ التصريحات التي طالب فيها بتحويل البحرين إلى «جمهورية إسلامية على الطريقة الإيرانية» أدلى بها بـ «الإكراه» بعد تعرّضه للتعذيب.
«أوفكوم» أيّدت هذا الإدعاء في نشرتها، فيما قالت متحدثة باسمها لـ «ميدل إيست آي»: «قبلنا الشكوى ضد «العربية»، نظراً إلى معاملتها غير العادلة وتعدّيها غير المبرر على الخصوصية. وتُعد هذه انتهاكات خطيرة تجعلنا ننظر في فرض عقوبة قانونية عليها».
ليس هذا فحسب، بل اعتبرت Ofcom أن القناة لم تشر إلى وجود ادّعاءات تعذيب موثّقة ضد السلطات البحرينية، كما «فشلت في إتاحة الفرصة له للرد على المزاعم الواردة في حقّه». علماً بأنّ تقريراً أصدرته «اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق» (BICI) وأيّدته لجنة الإجراءات الخاصّة للأمم المتّحدة، شرح أشكال التعذيب التي تعرّض لها مشيمع بعد اعتقاله: ضربات مباشرة على الجسم، والحرمان من النوم، والغمر في الماء البارد، وتهديدات تطال عائلته.
وفي سياق دفاعها عن نفسها وتأكيدها على أنّ المقابلة أجراها صحافي مستقل في عام 2012، أصرّت «العربية» على أنّ نتيجة تحقيق اللجنة البحرينية مرتبطة بـ «أحداث عام 2011، ولا تنطبق على عام 2012». لكن «أوفكوم» لم تقبل هذا الكلام، لتخلص إلى أنّ المحطة كانت «على علم، أو كان ينبغي أن تكون على علم، بأنّ تصريحات مشيمع قد لا تشكّل وصفاً دقيقاً أو منصفاً للحقيقة».
ما يحدث ليس سابقة في تاريخ «أوفكوم»، إذ سبق أن سحبت الرخصة من قناة «برس تي في» الإيرانية الرسمية للبث في المملكة المتّحدة عام 2012، إثر بثّها مقابلة مع مراسل مجلة «نيوزويك» الأميركية والقناة الرابعة البريطانية مزيار بهاري، أجريت «تحت التعذيب». هكذا، أكدت «أوفكوم» أنّها تعتقد بأنّ القرارات التحريرية لهذه المحطة «تتخذ في طهران بدلاً من المملكة المتحدة»، فحُكمت أوّلاً بدفع غرامة تقدّر بأكثر من 128 ألف دولار أميركي، قبل أن تسحب رخصة البث منها بعد فشلها في دفع المبلغ. فهل تطبّق المبدأ نفسه على «العربية»، أم أنّ العلاقات السعودية ــ البريطانية الطيّبة ستقلّل من قسوة القرار؟