كثيرةٌ هي الأسئلة التي تؤرق علاء الميناوي. السينوغراف والفنان البصري الفلسطيني عرفه الجمهور اللبناني على نطلق واسع عبر تجهيزه «نور يرتحل» (2014) الذي عرض في ساحة «سمير قصير» (وأمام تمثاله). بعد مشاركات عدة في عواصم عالمية كأمستردام، واسطنبول، ولندن، وبرلين، وبروكسل، حطّ الميناوي في الولايات المتحدة حيث قدّم «نور يرتحل» في مهرجان «مدينة الضوء» في بالتيمور في ولاية ميريلاند.
يقيم الميناوي اليوم في أمستردام، حيث يحضّر رسالة الماجستير عن «الانتماء». يشير إلى أنَّ «كلنا ينتمي إلى فضاءٍ ما، وهذا ما أركّز عليه في رسالتي». يضيف إلى الأحجية الخاصة به: «أنا فلسطيني، هذا يزيد سؤالي حول الانتماء، فوالدتي لبنانية، ووالدي فلسطيني. هنا يأتي السؤال البديهي: إلى من تنتمي أصلاً؟ هل تنتمي إلى المكان الذي خلقت وتربيت وعشت فيه؟ أم أنك تنتمي إلى المكان الذي تعود إليه؟ مع أنك لم تزره يوماً». يعود إلى السؤال عموماً: «ماذا عن الأماكن التي لم نزرها، كالوطن الأم فلسطين؟ ماذا عن حياتي هنا في هولندا؟ كيف يمكنني أن أنتمي إليها؟ هل من الممكن أن يحدث ذلك؟ لا إجابات حالية بالتأكيد؛ البحث – كما الإجابات - يحتاج إلى سنتين تقريباً (في إشارة إلى رسالة ماجستيره) ولنر ما سيحدث».
عمل الميناوي لمدّة 11 عاماً في أعمالٍ مسرحية معروفة كسينوغراف، لكنه قرر في آخر ثلاث سنوات له في بيروت أن يدخل عالم «التجهيز» و«التجهيز بالضوء» (Light Installations) تحديداً.

رفض المشاركة في
مسيرة لإحياء ضحايا الهولوكست

«نور يرتحل» كان أبرز أعماله، الذي يصوّر بطريقةٍ ضوئية ما يبدو أنه خيالٌ لعائلةٍ ترحل من مكانٍ إلى آخر. على ضوء الأحداث في العالم العربي هذه الأيام، بدا الأمر مرتبطاً باللاجئين. أمر يؤكد عليه الميناوي: «فعلياً هذا التجهيز بدأت فكرته حين كنت أعمل كمترجم مع اللاجئين السوريين والعراقيين والسودانيين والصوماليين في لبنان، وهو عمل إضافي كنت أقوم به. أستمع لقصصهم قبل تقديمهم لطلبات اللجوء. وعلى مدى 3 سنوات، سمعت ما يقارب الألف قصّة، وكلها مؤلمة نفسياً إلى حد كبير». لاحقاً، أنجز الميناوي هذا التجهيز الذي يمثّل عائلةً من ستة أشخاص «ترتحل»، وأهداه بدايةً إلى اللاجئين السوريين، «ثم تحوّل إلى تمثيل أي لاجئ أو مهجّر أو من أجبر على ترك أرضه لأي سبب. قد تكون هذه الأسباب مادية لا سياسية» يقول قبل أن يضيف: «هؤلاء المهاجرون أتوا إلى أميركا مثلاً واضطروا لترك بلادهم بحثاً عن حياة أفضل، هذا التجهيز يشبههم وبالتأكيد يعبّر عنهم».
قبل المهرجان الأميركي، حدثت مشكلة صغيرة مع الميناوي، إذ طلب منه أن يقدّم «محاضرة» في المتحف اليهودي عن تجهيزه المشارك في المهرجان، على أن ينضم بعد ذلك إلى مسيرة تمرّ بثلاثة متاحف وصولاً إلى مكان تذكاري لـ«الهولوكوست» حيث تضاء الشموع. وهي عادةً الحركات الصهيونية (والمؤيدة لها) في محاولة ربط كل «حركات اللجوء» والفنون المقاربة لها بـ «الهولوكوست» في إشارة دائمة وتأكيدية إلى أنَّ «عذابات» اليهود هي «أم العذابات». يعلّق الميناوي هنا: «وضعت أمام مشكلة كبيرة. ليست لدي مشكلة مع اليهود، لكن ما لدي مشكلة معه أن يشارك وفد أو أشخاص من السفارة الصهيونية، مما يؤدي إلى ربط التجهيز بالكيان العبري، وهو أمر غير مقبول. لذلك اعتذرت منهم». رفض الميناوي لم يؤثر على مشاركته في المهرجان، إذ لم تحدث أي مشكلة لاحقاً: «لقد شرحت للمهرجان ما حدث، وتفهموا ما قلته، وكانوا واعين جداً. لقد أصبح الناس واعين أن هناك مشكلة بين الفلسطينين والإسرائيليين. باتوا يسألوننا قبل أن يضعونا في مواقف من هذا النوع».
وماذا عن أعمال الفنان القادمة؟ «منذ ستة أشهر، أعمل على رسالة الماجستير وستنتهي بتجهيز فني يتحدث عن العدالة في الألفية الجديدة. فكما تعرف هذه العدالة غير موجودة. بتنا متآلفين مع فكرة أنّ لا عدالة موجودة، لا عدالة إنسانية، ولا اجتماعية، ولا في العمل، والوظائف، في كل شيء تقريباً». الأمر نفسه ينسحب على «العدالة» الفردية أيضاً: «من أسس العدالة وجود العدالة الفردية، لكن نحن غير عادلين مع بعضنا، وخياراتنا غير عادلة. أسمع أنه في السبعينيات والستينيات، كانت هناك حريات أكبر. بعضهم يعتقد أن الحرية أكبر في الغرب، لكن الأمر غير صحيح. أنا قضيت في أميركا 10 أيام، لكنني لاحظت طريقتهم المختلفة في العنصرية. في بلادنا، نفرّق بين مسلم ومسيحي، سني وشيعي، هم يتحدثون أبيض وأسود، مكسيكي وغيره. بالتالي التفرقة موجودة والحرية على المحك كذلك، فأنت لست حراً في أن تكون ما أنت عليه من دون قيودٍ عليك».